عمار الكاغدي - خاص ترك برس

مع اقتراب ساعة الحسم بشأن الانتخابات المحلّيّة التركيّة المرتقبة، تشهد السّاحة السّياسيّة حالة متوقّعةً من الاستقطاب الحادّ.

لا مكان للصّدفة في حسابات اللّحظة الأخيرة، فلا بدّ أنّ كلّ فريقٍ قد احتفظ بأوراقه الأقوى-حسب رؤيته طبعاً-ليستخدمها في لحظةٍ قد تقلب الموازين وتغيّر مؤشّرات استطلاعات الرّأي.

القاسم المشترك الأكبر: اللعب على الوتر النّفسيّ

على اختلاف مشاربها وميولها السياسيّة، دأبت الأحزاب التّركيّة على اللّعب على الوتر النّفسي للنّاخب عبر دغدغة مشاعر مناصريها بطرق راقية أحياناً، وملتوية أحياناً أخرى، وربّما وصل الحال بالبعض إلى الانحطاط الفاضح!

لا شكّ أنّ التوظيف المدروس للعامل النّفسي كان وما يزال سلاحاً فعّالاً في الانتخابات على مستوى العالم ككلّ، وربّما ظهر الأثر المباشر لهذا التّوظيف على تلك الفئة المتردّدة من النّاخبين.

وهي عبارةٌ عن فئة لم تقع بعد تحت سلطان الأدلجة، الأمر الذي يجعل من هذه الشّريحة بيضة قبّانٍ وعامل حسمٍ في كثير من الانتخابات المشهودة تاريخيّاً.

عودةً إلى الاستحقاق التركيّ المرتقب، ففي مدينة ذات وزنٍ انتخابيّ كإسطنبول، لا يخفى أنّ الرئيس أردوغان يراهن على "بن علي يلدرم" الذي عرفه سكّان إسطنبول بإنجازاته كوزير للنقل والملاحة البحريّة، كيف لا وهو صاحب المشاريع الرّائدة على مستوى المنطقة ككلّ، من قبيل مشروع العصر الذي تمّ تدشينه منذ أيّام فقط "ميترو مرمراي" الذي يصل القارّتين الآسيويّة بالأوروبية تحت الماء!

إضافة إلى نفق أوراسيا للسّيّارات، وجسر السّلطان سليم الأول، وجسر عثمان غازي   الواصل بين إسطنبول وإزمير.

وقد ذكّر يلدرم سكّان اسطنبول بما قدّمه من إنجازات بطريقة طريفة عبر مقطع يمثّل له دعاية انتخابيّة كمرشّح لتولّي منصب رئاسة بلديّة إسطنبول عن "العدالة والتنمية" إذ يقول حرفيّاً وهو المعروف بهدوئه وكلامه البطيء: أنا أتحدث ببطء، وأعمل بسرعة الصّاعقة (في إشارة إلى اسمه الثاني يلدرم= الصّاعقة)!

إبّان استحقاقٍ محلّيّ بامتياز: السّوريّون ورقةُ من لا ورقةَ له

من المخجل والمضحك في آنٍ، تلك السّياسة الانتخابيّة التي انتهجها البعض من أحزاب المعارضة، والتي تقوم على التّحريض وبعث روح الكراهية ضدّ السوريّين اللّاجئين في تركيا، فضلاً عن تحميلهم عبء أزمة اقتصاديّةٍ لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

ولكن، لا بدّ أنّ ذكاء النّاخب التركيّ سيبطل مفعول هذه الدّعاية، وهو يعلم قبل غيره أنّ هذا الأسلوب المتّبع ما هو إلّا ذرّ للرّماد في العيون يشكّل دليلاً جديداً على العجز عن مواجهة الملفّات والتحدّيات الكبرى التي تحتاج إلى حلولٍ فعّالةٍ في أسرع وقت.

نعم، ربّما تلقى مثل هذه الدّعوات صدىً لدى طيفٍ ضئيلٍ لا يُعلم حجمه بعد بين النّاخبين الأتراك وسط ضّخّ إعلاميّ متزايد، وتوظيف غير مسؤول لقضّيّة إنسانيّة بالدّرجة الأولى وفوق كلّ اعتبار.

ففي إطار حملتها الانتخابيّة، نشرت المرشّحة التركيّة "إلاي أكسوي" تسجيلًا مصوّراً برّرت فيه الحملة التي أطلقها حزبها "الجيّد" ضد وجود السّوريّين، وذكرت فيه "لماذا لا يريد أهل منطقة الفاتح السّوريين؟" حيث تجوّلت أكسوي صباحاً في منطقة سوق مالطة القريبة من جامع الفاتح وسط اسطنبول القديمة، وذكرت فيه أنّ 18 من أصل 44 محلًا في السّوق تعود للسّوريين الذين يضعون لافتات باللّغة العربيّة، ويفتحون في أوقات متأخرة مقارنةً مع الأتراك!

ويأخذ المشهد منحىً دراميّاً عندما تمتشق مرشّحة الحزب الجيّد"أكسوي" كيس البطاطا أحمر اللّون الذي يعرفه السّوريون جميعاً لتستخدمه كدليل إدانة لا ريب فيه ضدّ وجودهم في اسطنبول!

على أيّ حال، شكراً جزيلاً للمرشّحة "أكسوي" فقد ذكّرت السّوريين بثابتٍ من أواخر ما تبقّى لهم من الثّوابت الوطنيّة التي لا يختلف عليها سوريّان!

عن الكاتب

عمار الكاغدي

كاتب سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس