إبراهيم كيراس – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

تُعتبر العملية الصامتة التي نفذتها القوات الخاصة التركية لنقل نعش سليمان شاه محزنة من جهة، لكنّ القرار صائب من جهة أخرى. محزنة لأنّ الخروج من "أراض تركية" يتواجد فيها ضريح سليمان شاه جدّ عثمان المؤسس والاضطرار لنقل نعشه إلى مكان آخر، ليس بالأمر الهيّن، وهناك مَن يرى أنّ ما حصل يعتبر فقدان أرض وتفريط بها، وهذا الرأي فيه جانب من الصواب.

لكن من جهة أخرى يُعتبر القرار صائبا، لأنه لولا تنفيذ هذه العملية لاضطررنا إلى إدخال قوات عسكرية كبيرة من أجل حماية جنودنا هناك من خطر داعش، ولربما وقعت تركيا في مواجهة مباشرة مع التنظيم إذا ما تعرض لجنودنا بأذى، ونتيجة ذلك معروفة، وهي دخول تركيا في وحل سوريا، وهو ما تسعى إليه قوى عديدة منذ 4 سنوات إلا  أنّ تركيا صمدت في وجه تلك المحاولات، وبهذه العملية أفشلت تلك المخططات.

مورست العديد من الضغوطات على تركيا من أجل التدخل –وحدها- في سوريا منذ العام 2011، حيث كان من الصعب للمعارضة السورية الضعيفة إنهاء حُكم البعث لوحدها، ووقفت الدول الغربية بعيدة عن التدخل المباشر في سوريا كي لا تصطدم مباشرة مع روسيا وبسبب عدم وضوح مستقبل الحُكم في سوريا، كما كان من الصعب على السعوديين أو القطريين فعل ذلك بحُكم عدة عوامل داخلية هيكلية وإقليمية، لهذا طلبوا من تركيا التدخل.

زادت الضغوطات فورا على تركيا حينما رفضت التدخل في سوريا لوحدها، ولم تكن هذه الضغوطات خارجية فقط، بل كان هناك ضغوطات من الداخل أيضا، حيث قالوا "لماذا تقف تركيا مكتوفة الأيدي، لماذا لا تدخل سوريا؟". هذه الحملات الداخلية كانت تُقاد في تلك الأيام تحديدا من قبل جماعة غولن.

ونتيجة لتلك الضغوطات الهائلة التي لا تستطيع تركيا الوقوف في وجهها لوحدها، قامت بتغيير سياستها تجاه سوريا بصورة كبيرة، لكنها لم تخضع لهدف الضغوطات الرئيس وهو "التدخل في سوريا لوحدها".

بغض النظر عن انتقاداتنا تجاه السياسة السورية، إلا أنه من الواجب علينا أنْ نقول أنّ عملية نقل ضريح سليمان شاه أنقذت تركيا للمرة الثانية من الوقوع في الفخ، ونقل الضريح إلى مكان آخر داخل سوريا يحمل دلالات عديدة، منها المحافظة على رمزية الموضوع، ومنها ما يتعلق بدعم سياسة وإستراتيجية تركيا من أجل تشكيل منطقة آمنة على الحدود مع سوريا.

نحن اضطررنا إلى تنفيذ عملية نقل ضريح سليمان شاه بسبب الأوضاع القائمة، ولا شكّ أنّ انتقاد هذه الأوضاع وانتقاد الأخطاء التي ترافقها من حق الجميع، لكن الخروج ضد عملية ناجحة جدا قمنا فيها كانتقاد لسياستنا تجاه سوريا أمرٌ غير منطقي.

بكل تأكيد لا يوجد أحدٌ سعيد لحال الأوضاع في جنوب تركيا وعلى الحدود، لكن الخطوة الهامة التي قامت بها تركيا أمس تسعى لمنع خطر أكبر وأخطر كان مُحدقا بنا، لهذا لا نستطيع فهم المنتقدين لهذه العملية، فهل كانوا يرجحون دخول الجيش التركي في عملية واسعة إلى الأراضي السورية من أجل حماية جنودنا وعساكرنا هناك؟

وهنا لا بد أنْ نترحم على الجندي "باشتافوش خالد آفجي" الذي استشهد بحادث عرضي أثناء العملية، فنسأل الله له الرحمة، ولذويه وللجيش التركي الصبر والسلوان.

عن الكاتب

إبراهيم كيراس

كاتب في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس