ترك برس

عرضت صحيفة عُمانية دراسة مهمة تناولت العلاقات العُمانية-العثمانية من 1775-1866 للباحثَين حبيب بن مرهون الهادي، وأحمد بن حميد التوبي، اللذين شاركا بها مؤخرا في المؤتمر العلمي الدولي الثاني للعلوم الإنسانية الذي استضافته جماعة الأنبا علاء الدين كيكوبات في محافظة أنطاليا التركية خلال الفترة من 29-31 مارس 2019.

وقالت صحيفة "أثير" الإلكترونية، إن عُمان تعدّ عبر تاريخها الطويل أحد أهم الدول التي كان لها علاقات وتفاعل حضاري مع مختلف الدول والحضارات، وذلك بحكم انفتاحها على العالم منذ العصور القديمة وحتى العصور الحديثة.

وأشارت إلى أن من الدول الكبرى التي ظهرت على مسرح الأحداث على الصعيد الإقليمي والدولي في مطلع العصور الحديثة هي الدولة العثمانية التي شغلت مساحة جغرافية شملت أجزاء مهمة من قارات العالم القديم  (آسيا، أفريقيا، أوروبا).

وحسب تقرير الصحيفة، كانت عمان في تلك الفترة تعيش في أوج ازدهارها بعد مقارعة الاحتلال البرتغالي وطرده من المنطقة، وبالتالي كانت العلاقات العمانية العثمانية في مجاليها السياسي والاقتصادي ذات طبيعة استثنائية لرغبة الطرفين في توحيد جهودهما في تأمين المنطقة من خطر الاستعمار الذي بدأت بوادره تلوح في  الأفق في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي.

الدراسة التي عرضتها الصحيفة تناولت مباحث ثلاثة؛ تناول الأول مدخلا عن تاريخ عُمان وتاريخ الدولة العثمانية خلال فترة الدراسة، وتحدث المبحث الثاني عن العلاقات السياسية بين عُمان والدولة العثمانية خلال فترة الدراسة، بينما سلّط المبحث الثالث الضوء على العلاقات الاقتصادية بينهما خلال ذات الفترة.

واعتمدت الدراسة على مجموعة الوثائق في الأرشيف العثماني التي تتحدث عن العلاقات بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية، والتي من خلالها تتضح طبيعة العلاقات بينهما، والصورة الحقيقية التي تقدمها عملية تبادل السفارات بين البلدين.

ووفقًا للدراسة، ارتبطت عُمان بعلاقات صداقة متينة مع الدولة العثمانية، وقد دل على ذلك مجموعة الوثائق التي تم تداولها بين الطرفين، وهي عبارة عن رسائل تعبّر عن الأحوال المشتركة أو ذات العلاقة بين الدولتين، وتشكّل عُمان بموقعها الاستراتيجي بوابة للدخول إلى منطقة الخليج العربي وهو أمر أعطى للأرض العُمانية أهميتها، كما أسهمت أنظمة الحكم المستقلة التي استمرت في عُمانعلى زيادة تلك الأهمية مع الدول الكبرى مثل الدولة العثمانية أو الدول الأوروبية التي وصلت إلى المنطقة مع بداية القرن السادس عشر الميلادي.

وقد عرضت الدراسة في هذا الجانب لخمس عشرة وثيقةً حصلت عليها من هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية بالسلطنة، والأرشيف العثماني بإسطنبول تتناول مراسلات متبادلة بين سلاطين وأئمة وولاة من الطرفين يمكن أن يستدل منها على العلاقات الحسنة الوطيدة في المجال السياسي بين الدولة العثمانية والدولة العمانية طيلة فترة الدراسة.

كما أوضحت الوثائق رغبة الدولتين في تعميق الروابط السياسية بينهما، حيث كانت الدولة العثمانية تسعى جاهدة إلى استمرار العلاقة وتوطيدها، ومنها المشاورات التي تمت في موضوع الصلح الذي قامت به الدولة العثمانية مع الدولة الفارسية، وهذا يدل على مكانة الدولة العمانية كحليف استراتيجي مع العثمانيين في عهد الإمام أحمد بن سعيد وعهد السلطان عبدالحميد الأول، كما كانت المساعدات التي قدمتها عُمان للبصرة في حربها مع الفرس والدراسات التي تمت في ضوئها خير دليل على ذلك.

منذ منتصف القرن الثامن عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر ظلت عمان والدولة العثمانية أهم دولتين تحكمان المنطقة العربية؛ ولذلك ارتبطتا بروابط وعلاقات في مختلف المجالات الدينية والسياسية والعسكرية والاقتصادية وغيرها، ففي المجال الاقتصادي تورد وثائق الأرشيف العثماني إشارات مهمة لتلك العلاقات المتنامية بين البلدين.

وأوردت الدراسة لمجموعة من تلك الوثائق التي تتحدث عن المراسلات بين الدولتين العمانية والعثمانية في فترة الدراسة، ومنها: رسالة من معشوق باشا إلى رئيس الوزراء العثماني تم رفعها إلى السلطان العثماني، وجواب الديوان الهمايوني، وذلك فيما يتعلق بالرسائل المتبادلة مع حاكم مسقط ) السيد سعيد بن سلطان) والعلاقات القائمة بين عمان والدولة العثمانية والتي مفادها تجاوزا للعلاقات السياسية وصولا إلى العلاقات التجارية، وتورد الرسالة العلاقات المميزة التي تحظى بها الدولة في المجال التجاري مقارنة مع الدول الأجنبية الأخرى التي تتعامل مع مسقط.

ووثيقة أخرى حول رسائل متبادلة بين كل من رئيس الوزراء العثماني ووالي جدة ووالِي الحجاز حول ضرورة ترسيم العلاقات بين الدولة العثمانية وحاكم مسقط) السيد سعيد بن سلطان) وذلك للفوائد الكثيرة التي سوف تعود على الدولة العثمانية من خلال مجموعة من الإجراءات مثل: المساعدة على حماية السواحل اليمنية، والتعاون في المجال التجاري، والحد من تجارة العبيد في البحار المجاورة للبلدين، كما اقترحت تلك المراسلات منح السيد سعيد بن سلطان نياشين رفيعة من شأنها أن تطور العلاقات بين البلدين.

ووثيقة ثالثة تحتوي على رسالة من والي بغداد إلى رئاسة الوزراء العثمانية حول وصول مركب إلى مسقط، وبالوثيقة إشارة مهمة تؤكد الروابط التجارية الوثيقة بين عمان والدولة العثمانية في هذه الفترة حيث يُعد ميناء مسقط من الموانئ الرئيسية على خطوات التجارة القادمة من الشرق إلى الخليج العربي والعراق، كما أن استقبال السيد ثويني للمركب يدل على اهتمامه بتوطيد العلاقات مع الدولة العثمانية واهتمامه المتزايد بالتجارة بشكل عام.

ووثيقة رابعة تحتوي على برقية من والي بغداد حول المعاملة الحسنة التي لقيتها السفينة (قورت) في مسقط، حيث أرسلت برقية من والي بغداد مصطفى باشا بخصوص التقرير الذي رفعه القبطان على قائد سفينة قورت حول المعاملة الحسنة التي تلقاها المركب في مسقط من قبل حاكمها، واقتراحه تعيين ممثل للدولة العثمانية في مدينة مسقط لإنجاز الأعمال المتعلقة برعاياها.

من خلال تلك المراسلات المتبادلة بين سلاطين عمان وسلاطين بني عثمان والمتعلقة بالجوانب الاقتصادية يُمكن القول بأن عمان ظلت إحدى  المحطات التجارية عبر التاريخ بحكم موقعها الجغرافي المميز.

فعلى اختلاف الأزمنة المتعاقبة منذ العصور القديمة وحتى العصور الحديثة كانت العلاقات التجارية بين عُمان والدول والحضارات المختلفة حاضرة إضافة إلى أهمية البعد الجغرافي في تطور العلاقات العمانية العثمانية حيث إطلالة عمان على مدخل الخليج العربي واتصالها المباشر  بالمحيط الهندي وقربها من مدخل البحر الأحمر وسيطرتها على الساحل الشرقي لإفريقيا ووجود بعض موانئ البر الفارسي والهندي تابعة لها كلها عوامل أسهمت في اهتمام الدولة العثمانية بتوطيد العلاقات بين البلدين.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!