د. علي حسين باكير - العرب القطرية

تشهد العلاقات التركية-الإيرانية تحسّناً مستمراً منذ ما يقارب العامين، ولأول مرة ربما، يتجاوز التفاهم بين البلدين حول بعض الملفات ذات البعد الاقتصادي إلى البعد السياسي والأمني معاً، وإن كان مثل هذا التشخيص يخضع لشبه إجماع لدى المراقبين، يختلف كثيرون في تفسير دوافع هذا التقارب وغاياته، وعما إذا كان ينبع من حسابات استراتيجية تمهّد لتحالف محتمل بين الطرفين، أم أنه مجرد تقاطع مصالح تكتيكي أملته ظروف معيّنة على البلدين.

عندما زار جواد ظريف الأسبوع الماضي تركيا، والتقى نظيره التركي مولود تشاووش أوغلو، ورئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، كرّر الجانب التركي التأكيد على موقفه في ثلاث قضايا، أولها رفض الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، وثانيها رفض الحظر والعقوبات المفروضة على إيران، وثالثها انتقاد القرار المتعلق بتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية.

وفي المقابل، شدّد ظريف على تفهّمه للمخاطر الأمنية التي تواجهها تركيا، مشيراً إلى حرص بلاده على سلامة وأمن المواطنين الأتراك، وعلى التعاون مع أنقرة في هذا المجال.
لا يختلف الموقف التركي هذا كثيراً عما جرى قبل اندلاع الثورات العربية نهاية عام 2010، إذ رفضت أنقرة حينها العقوبات الأحادية الأميركية على إيران، وكانت سبباً في كسر العقوبات على الشعب الإيراني، كما حاولت من خلال جهود مشتركة مع البرازيل التوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة النووية، لدرجة أن البعض راح يُنظّر حينها لانضمام تركيا لما يسمى «محور الممانعة»، ماذا كان ردّ إيران فيما بعد؟ اتبعت أجندة إقليمية متناقضة تماماً مع تركيا، ودخل الطرفان في تنافس إقليمي شديد، لا سيما حول سوريا، وتوصلت طهران إلى اتفاق مع واشنطن حول برنامجها النووي، كل ذلك بمعزل عن الحسابات التركية.

إذا كان هناك من درس مستفاد من هذا التاريخ، فهو أن التفاهم بين الطرفين غالباً ما يكون تكتيكياً، وتمليه ظروف معيّنة في حينه، المفارقة في التجربة الحالية أن السعودية والإمارات كانتا العامل الرئيسي في دفع تركيا باتجاه إيران، الحصار الذي فرضتاه على قطر في العام 2017، دفع أنقرة عنوة باتجاه طهران، سيما بعدما أدركت أنقرة أنه من المستحيل بمكان التعويل على التعاون مع النظام السعودي، ثم جاءت سياسات الإدارة الأميركية المتعارضة مع المصالح التركية -لا سيما في سوريا- لتخلق مساحة من المصالح المشتركة للطرفين التركي والإيراني.

استمرار هذه العوامل يجعل التقاء أنقرة مع طهران في بعض الملفات ممكناً، لكن من الصعب بمكان القول إن تقاطع المصالح هذا من شأنه أن يتطور إلى شيء استراتيجي، خاصة إذا ما حصل تراجع في السياسة الأميركية أو في سياسة المحور السعودي-الإماراتي، الجانب التركي يعتمد إلى حدٍّ كبير على إيران في وارداته من الطاقة -أي النفط والغاز- وفي المقابل، تطمح طهران إلى الاعتماد على تركيا للتخفيف من تداعيات الحصار، سياسياً، ترفض أنقرة العقوبات على إيران من باب رفضها كذلك أية عقوبات محتملة عليها من قبل ترمب، أمّا أمنياً، فقد ساعدت سياسات واشنطن الحمقاء في اجتماع الطرفين، لا سيما فيما يتعلق بمكافحة حزب العمال الكردستاني.

خلاصة القول هي، أن كلا الجانبين التركي والإيراني يعرفان بعضهما جيداً، ويدركان حدود هذا التقاطع في المصالح، وباعتقادي ما إن تُتَح الفرصة لأيٍّ منهما لمتابعة مصالحه الخاصة الوطنية والإقليمية بمعزل عن الآخر، حتى يقوم بذلك دون تردد.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس