د. علي حسين باكير - العربي القطرية

تتراكم الملفات الخلافية بين تركيا والولايات المتّحدة مؤخراً حول عدد من القضايا الثنائية والإقليمية بشكل غير مسبوق على الإطلاق في تاريخ الحليفين في حلف شمال الأطلسي. وتشمل هذه الملفات -على وجه التحديد- السياسة الخارجية الأميركية في سوريا، لا سيما العلاقة مع الفرع السوري من حزب العمّال الكردستاني، والسياسة الأميركية في الخليج، لا سيما الموقف من الأزمة الخليجية والعقوبات على إيران، والسياسة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية، لا سيما «صفقة القرن»، بالإضافة إلى الموقف الأميركي من شراء تركيا منظومة «أس-٤٠٠» الدفاعية الروسية والنفط الإيراني.

وفي كل هذه الملفات، تضغط الولايات المتّحدة على الجانب التركي للخضوع لمعادلة صفريّة، مستخدمة سلاح التهديد والعقوبات الاقتصادية، كالتهديد بإيقاف صفقة مقاتلات (أف-٣٥) المتعددة المهام، والتهديد بفرض عقوبات اقتصادية في حال استمرت أنقرة باستيراد النفط الإيراني. ينجم عن مثل هذا السلوك الأميركي ردّة فعل عكسية تدفع تركيا إلى التصلّب في مواقفها، خشية أن يُفهم تراجعها على أنه رضوخ أو تنازل للإملاءات الأميركية، كما يدفعها كذلك بشكل متزايد إلى الاتجاه نحو روسيا وإيران، أملاً في أن يؤدي ذلك إلى توفير المزيد من الخيارات لها في مواجهة الضغط الأميركي من جهة، وأن يقنع واشنطن بالتراجع عن معادلتها الصفريّة هذه.

في المقابل، لا يبدو أن إدارة الرئيس ترمب تستجيب بشكل إيجابي لهذا المفهوم، فهي مستمرة في نفس الاتجاه، وتتجاهل كذلك الآثار السلبية الناجمة عن مثل هذه السياسة على علاقة تركيا بالولايات المتّحدة من جهة، وعلى الوضع الجيو-سياسي الناجم عن دفع أنقرة باتجاه موسكو وطهران، سواء في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا. بمعنى آخر، فإنّ دفع تركيا عنوة باتجاه روسيا سيجعلها أكثر اعتماداً عليها محلّياً وإقليمياً، وهو الأمر الذي من شأنه أن يزيد من نفوذ روسيا داخل تركيا، وفي المنطقة أيضاً. من التداعيات السلبية لمثل هذا التوجّه: زيادة الشقاق داخل حلف شمال الأطلسي من جهة، وزيادة الضغط الناجم عن توسع النفوذ الروسي على أوروبا أيضاً.

وبينما قد يكون من المفيد التوصل إلى تسويات بشأن الملفات الخلافية بين الولايات المتحدة وتركيا، كل على حدة، إلا أن تراكم الخلافات بينهما بشكل متزايد في الآونة الأخيرة يجعل تحقيق ذلك أمراً في غاية الصعوبة. علاوة على ذلك، لم تنجح أي من المحاولات السابقة بشأن التوصل إلى حلول حول مواضيع محددة بين الجانبين، فملف منبج وشرق سوريا لا يزال معلقاً، على الرغم من التوصل إلى اتفاق بشأنه قبل حوالي العام، كما أن ملف «باتريوت» لا يزال معلقاً، وأضيف إليه ملف مقاتلات (أف-٣٥) بانتظار البت في مصير صفقة (أس-٤٠٠)، وكذلك الأمر فيما يتعلق بواردات إيران النفطية التي تقول تركيا إنه سيكون من الصعب جداً تعويضها خلال فترة قصيرة من الزمن.

وأمام هذا الواقع، وإذا ما استمر الخلاف بين الطرفين، هناك من يرى أن الصفقة الكبرى ستكون الخيار الأخير للطرفين، قبل أن تشهد العلاقات مزيداً من التدهور قد يفضي إلى نتائج غير قابلة للإصلاح مستقبلاً، صفقة تضع النقاط على الحروف وتحل القضايا العالقة وتعيد العلاقات بين الطرفين إلى ما كانت عليه. لكن ما نسبة نجاح مثل هذا الاحتمال؟ في ظل إدارة ترمب، يبدو هذا الخيار ضعيفاً، لكن هناك من يرى أن مثل هذا الانطباع قابل للتغيير، وأنه بالإمكان إقناع ترمب بالتوصل إلى حل من هذا النوع. على كل حال، لن نضطر للانتظار طويلاً قبل اختبار هذه الفرضية، في ظل التقارير التي تشير إلى إمكانية أن يقوم ترمب بزيارة إلى تركيا في يوليو المقبل.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس