إبراهيم قاراغول - يني شفق 

ماذا لو أن ضرراً ما قد لحق بأحد جنودنا القائمين على قبر سليمان شاه، كيف سيكون غضب تركيا لو أن أحد الجنود قد تعرض لاعتداء أو أسر، ليخرج بأحد الأفلام التي ينشرها تنظيم الدولة.

تذكروا ما حل بالطيار الأردني. لقد قاموا بحرق الطيار حياً من أجل استفزاز الشعب والدولة الأردنية. وقامت الدنيا ولم تقعد في الأردن. ثم بدأ سلاح الطيران الأردني بالإغارة على مناطق تنظيم الدولة.

تذكروا مشاهد إعدام 21 مصرياً قبطياً. إن هذه المشاهد استفزت مصر. وهذا هو الهدف من ورائها. فقد أرادوا استفزاز الشعب والحكومة المصرية، وقد نجحوا في ذلك. فقد بدأت مصر بالإغارة على مواقع في ليبيا.

من الذي قام بالهجوم على القنصلية في الموصل؟

تذكروا حادثة الاعتداء على القنصلية التركية في الموصل وأخذ العاملين فيها كرهائن. إن هذه الحادث قد أعاقت تحرك تركيا تجاه ما يحدث في العراق وسوريا. فقد بقي 49 من مواطنينا رهائن لمدة 102 يوماً قبل أن يتم إنقاذهم. وكانت تلك الفترة شديدة الصعوبة على تركيا.

ماذا لو أن ضرراً قد أصاب واحداً من أولئك الـ 49 شخصاً أو قتل ونشرت مشاهد قتله، وما الذي سيصيب الرأي العام التركي حينها؟ وماذا لو استثمرت بعض الأوساط الداخلية الرخيصة هذا الأمر؟ فالكثير من الشخصيات والأوساط السياسية ترجو وتتمنى أن يقتل تنظيم الدولة أحد الرهائن قبيل الانتخابات الرئاسية حينها.

هل فكرتم في الأمر؟ في الوقت الذي ينشط فيه تنظيم الدولة في كل من سوريا والعراق فإنه لا يستهدف تركيا. بالإضافة إلى أنه حذر تجاه العمليات التي يقوم بها خشية إزعاج تركيا. فماذا الذي تغير فجأة ليجعل التنظيم يهاجم القنصلية في الموصل ويحتجز رهائن؟ من الذي أعطى هذه الفكرة أو هذا الهدف وهذا التوجيه؟ هل ما نسميه “العقل المدبر” الذي يقف خلف التنظيم الموازي يتمثل في العراق وسوريا أم بعواصم أخرى مثل لندن وواشنطن؟؟

حتى اليوم لم يتم التعرف على السبب الحقيقي خلف حادثة اختطاف الرهائن في الموصل. هناك تنظيمات ومحاور استخباراتية داخل تنظيم الدولة، وهي ما تلبث أن تصل إلى مواقع مهمة داخل التنظيم حتى تبدأ بتقرير أهداف التنظيم والقيام بعملياته.

البعض يريدون دفع تنظيم الدولة الى الحرب مع تركيا

إن التنظيمات هي غطاء التمويه الذي تتحرك من خلفه الدول والأنظمة الاستخباراتية. وهذه العمليات المموهة تتم من خلال التنظيمات أو من خلال المحاور الاستخباراتية داخلها. وبعض الدول تستخدم التنظيمات لتوجيه ضربات للدول الخصم أو لتهديدها أو معاقبتها وإلزامها حدودها. إن الدول تصفي حساباتها من خلال تنظيم الدولة.

وكذلك فإن مسألة رهائن الموصل تعد هجوماً يهدف إلى كسر النفوذ التركي في المنطقة وإعاقة الدولة التركية ومنعها من التدخل في العملية الإقليمية التي تدار تحت غطاء تنظيم الدولة.

الحمد لله، استطعنا أن نتخطى تلك الأزمة من دون أي خسائر. ولو أننا لم ننجح في حل الأزمة لكان أحد أو بعض أولئك الرهائن ضحايا أحد أفلام الإعدام الشهيرة. استطاعت تركيا تجنب ذلك. لكنها لم تستطيع تفادي استغلال هذا النجاح من قبل بعض الأغبياء و”بعثيي تركيا” وأصحاب الهيئات السياسية المرتكزة على إراقة الدم.

هل فكرتم من قبل كيف تم توجيه التظيم ضد الأكراد بعد أن كانت مواقفه العدائية واضحة ضد موالي الشيعة وإيران أي ما يسميهم الرافضة. لقد دخلوا مسافة أربعين كيلومتراً في إربيل على حين غرة. ولولا الهجمات الجوية لكانت إربيل بأيديهم منذ أمد طويل. لم يكن من المتوقع أن يدخل التنظيم في صراع مع الأكراد، ولا أن يستهدف تركيا. هذا ما كانت تدل عليه مواقفه.

كان البعض يوجه التنظيم ضد تركيا. وفي هذه المرة أصبح الهدف هو قبر سليمان شاه. كان تفكيرهم كالتالي، يهاجم التنظيم تلك المناطق وقد يأخذ رهائن من الجنود الأتراك أو يطلق النار على القبور. وقد يستطيعوا أيضاً إثارة الشعب التركي من خلال مشاهد إعدام مثلما فعلوا مع الأردن ومصر.

الشركاء الداخليون في خطة الهجوم

وتزامنا مع ذلك، كان سيتم تفجير مسائل أخرى داخلياً، وتصدير العنف إلى الداخل كما حدث في كوباني، واستغلال الغضب الشعبي. وحينها سينصلح الحال للهئيات السياسية التي تبني نشاطها على العنف، لتقوم بتوسيع عملياتها المشابهة لأحداث غزي بارك.

إن عملية الشاه سليمان أفسدت هذه اللعبة الكبيرة. يجب الاحتفاء بهذه الفراسة والحذر. وقد رأيتم كيف قد جن جنون البعض في الداخل بعدما أفسدت اللعبة. فشدة غصبهم مؤشر ودليل على درجة رهانهم على الدم هناك.

إن أولئك الذين يتحدثون عن ردة فعل تركيا المتعجلة والضحلة والمروجين للقول بأن “تركيا خسرت جزءا من أرضها، وتراجعت وانسحبت” هم أنفسهم كانوا يستعدون لإقامة الدنيا لو تم تفيذ الهجوم. ليحتفوا بعدها. ومن هنا يعملون على قلب السلطة ليقدموا مثالاً قذراً جديداً على السياسة القائمة على الدم.

إن ما يجب الحديث عنه هنا هو هذا المفهوم وهذه المشاعر السيئة وفقدان البصيرة. إن من المخزي عدم وقوف هذه الأوساط مع تركيا، ومراهنتها على عملية دموية في منطقة قبر سليمان شاه وجهوزيتها للقيام بكل أشكال التحالفات من أجل المكاسب السياسية الداخلية.

كانوا سيزعزعون اعتبار تركيا

إنني أدرس المنطقة منذ خمسة عشر عاماً. وأدرك كم هو من الصعب تشكيل سياسات مواتية لمنطقة بهذه الدرجة من الديناميكية المتغيرة بشكل يومي أو تشكيل وتطبيق سياسات أمنية فيها. إن المنطقة تتطلب البقاء دوماً في حالة التنبه، وما من دولة فيها تستطيع الثبات على سياسات دائمة. قد تكون لها حسابات وتوجهات طويلة الأمد، لكنها ستكون مضطرة لخوض مناورات جديدة كل يوم. إن منطقتنا هي ساحة صراع القوى في القرن الحادي والعشرين وساحة حربها. لذلك فإن أي من التنظيمات لا يمكن أن يبقى مجرد تنظيم. ولا تبقى الجبهات ثابتة ولا التحالفات طويلة الأمد.

إن تركيا تقع تحت تهديد هجوم حقيقي تحت غطاء تنظيم الدولة. ويراد لها أن تتبع دورها في طابور العنف. وإن كانت هذه العملية قد فشلت، ففي القريب ستتعرض الحدود إلى هجوم آخر. كان يخطط الهجوم على سليمان شاه، وبذلك تدخل تركيا في صراع مع تنظيم الدولة، لتبدأ الألاعيب من خلف هذا الغطاء.

والأسوء من ذلك، هو أن مشاهد الإعدام التي نشرت لتستهدف مصر والأردن، كانت ستتابع سلسلتها لتصل تركيا والعالم. أو أن رفات سليمان شاه جد الأتراك سترمى في الهواء، ليتم محو اعتبار الدولة التركية.

دولة الماضي والمستقبل

إن هذه العملية تظهر بصيرة هذه الدولة ورجالها من أصحاب الفراسة. فتركيا ليست دولة عمرها سنة أو اثنتين، ولا هي دولة “حامية” بل دولة الماضي والمستقبل. وسلوكها ليس وليد اللحظة، بل هو سلوك دولة تتغذى على عمق الماضي وتفتح أشرعتها للمستقبل القريب والبعيد.

لقد خططوا للعبة، وقاموا بإدارتها. وخسروا اللعبة أمام تركيا. ونحن بدورنا نبارك هذا الإنجاز.

عن الكاتب

إبراهيم قاراغول

كاتب تركي - رئيس تحرير صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس