محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس

من المستحيل تصديق أن ما وراء تلك الحشود الأمريكية في المنطقة، والتي تهافتت ضد إيران هي عبارة عن أدوات ضغط مدروسة لغرض إجبار إيران على الجلوس على طاولة المفاوضات من جديد مع الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبار أن تلك الآلات الحربية الأمريكية وأساطيلها لا تتحرك مطلقا لغرض الدعاية  لأنها غير محتاجة أصلا لعرض عضلاتها.

ورغم أن تحمل أعباء تكاليف تلك التحركات قد حسمت مسبقا لجهة اختارها قادة البيت الأبيض، ورغم أن استمرار الصراع السياسي وتحويله إلى صراع عسكري سيدر بمليارات الدولارات لخزينة الولايات المتحدة، ورغم وجود أكثر من دولة إقليمية تحاول التملص من مخالب الهيمنة الإيرانية وسطوتها، مع التأكيد على وجود دعم دولي لأمريكا في حال قيامها بمهاجمة أهداف إيرانية محددة، أو تحولها إلى حرب محتملة بين الدولتين. رغم كل هذا ورغم غيرها من المحصلات التي تثبت وتؤيد وجود نية حقيقية لتطوير الصراع السياسي مع إيران وتحويله إلى صراع عسكري مما يعني حصول حرب محددة أو واسعة في المنطقة، ورغم ذلك فإن هناك جملة من الحقائق التي لا بد من التوقف عند محطاتها المتعددة والتي تتقاطع مع أي فكرة لقبول الرأي الذي يرجح بحصول نزاع عسكري إيراني أمريكي وذلك للحقائق التالية:

أولا:

تاريخيا فإن إيران تعتبر امتدادًا منظورًا لأعتى إمبراطورية  بنت حضارةً وثقافةً وعلمًا وأدبًا وحكمةً منذ العصور القديمة، ومجتمعة بذلك الإرث فإنها تجيد أبجديات الفن السياسي وتتقن أساليب المناكفات السياسية والحوارات.

ثانيًا:

أن اللوبي الايراني الحالي في الولايات المتحدة الأمريكية يعد من أقوى اللوبيات بعد اللوبي اليهودي، وهو بذلك يستطيع تأليب الرأي العام الأمريكي ضد فكرة شن حرب أو هجوم أمريكي ضد إيران.

ثالثا:

أن العلاقات الإيرانية الأمريكية مبنية دومًا على مبدأ البراغماتية وليست هناك تقاطعات في المصالح بين البلدين، بل إن الدور الإيراني المتميز وغير المعلن، والذي هو عبارة عن حائط صد ضد تطلعات الاتحاد السوفيتي السابق والروس الآن في الوصول إلى المياه الدافئة في منطقة الخليج، هي التي تجعل إيران في مصاف الدول الاستراتيجية الأكثر حظوة في قاموس الاستراتيجية الغربية والأمريكية، وعليه فإن أي تخلخل في موازين القوى سيحدث في المنطقة نتيجة ضربات استباقية أو شن حروب مستقبلا ضد إيران ستكون له نتائج كارثية. وهذه المسألة حاضرة دوما في فكر الاستراتيجيين الغربيين، وبالأخص في هذه الفترة بعد ظهور بوادر واضحة لبدايات الحرب الباردة بين الغرب والشرق عموما.

رابعا:

بعد الحرب المجرمة المتمثلة بالاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 استطاعت إيران استلام الملف العراقي عنوة، وعن قناعة من الولايات المتحدة بالكامل، وخصوصا في ظل وجود الطفل الغبي المدلل على رأس السلطة في البيت الأبيض بوش الابن ومن بعده وجود أوباما الذي لم يستطع ارتداء زي الرئاسة الأمريكية طيلة فترة وجوده في المكتب البيضاوي لفترتين رئاسيتين، مما يعني أنها قادرة على استرجاع الثقة من الولايات المتحدة الأمريكية من جديد كسابق عهدها.

خامسا:

في حرب العراق واحتلال العراق لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية تتجرأ على مهاجمة تلك الدولة التي أنهكتها المقاطعة الاقتصادية والحظر الجوي والاستيرادي، وضعف الآلة الحربية العراقية، من أن تهاجمها لوحدها دون توريط الحلفاء من الدول الأوروبية معها، فكيف تستطيع مهاجمة إيران ذات المساحة الأكبر والاقتصاد الأقوى، وكذلك وجود المؤازرين لها في أكثر من دولة عربية مع وجود معارضة حقيقية من بعض الدول الأوروبية التي وقعت معها على وثيقة التفاهم حول الأسلحة النووية.

ورغم وجود نقاط أخرى قد تكون عائقا حقيقيا يمنع ترامب من اتخاذ قرار بشن هجوم ضد إيران ورغم كل هذا فلو اتخذ الرئيس ترامب  قرار الهجوم أو الحرب فإن هناك جملة من النتائج التي تحدث في الحالتين، أي بمعنى لو شن الرئيس ترمب هجوما ضد إيران أو تم الاتفاق على خطوات أخرى تنهي الصراع الأمريكي الإيراني.

إن البرنامج النووي الإيراني واعتباره خطرًا يهدد السلم الإقليمي والدولي هي أكذوبة بكل مالها من معنى لأن الولايات المتحدة وحتى إسرائيل تستطيع إيقاف كل برامج النشاط النووي الإيراني من خلال تدخلاتها بأجهزة استخباراتها سواء باغتيال علمائها كما حدث سابقا أو تفجير المنشآت والحلقات الفنية والمعامل إضافة إلى منع وصول بعض المعدات والأجهزة إلى إيران كما حدث قبل عدة أيام عند ضبط بعض الأجهزة المعدة لإرسالها إلى إيران في فنلندا.

مما يعني أولا وأخيرا بأن ترمب يسعى من وراء تلك الجعجعة ورفع قائمة المطالب لغرض احتضان إيران من جديد وجعلها ساحة استثمارات أمريكية كبيرة مع عرقلة وصول الاستثمارات الغربية التي تهافتت بسباق ماراثوني نحو العاصمة الإيرانية طهران بعد توقيع الاتفاق المسمى بستة زائد واحد والذي حث على توقيعه الرئيس أوباما.

ولذا فإن الرئيس ترامب يرى بأن الدور الأمريكي في إيران بعد الاتفاق الذي وقعه الرئيس أوباما كان من المفروض أن يكون دور رب العمل الذي يقوم بتوزيع الحصص الاستثمارية كما حصل بالضبط بعد تحرير الكويت.

وهنا لا بد من التذكير بأن ترامب لم ولن يفكر مطلقا في مهاجمة إيران بل سيسعى إلى ابتلاع إيران مع التأكيد على أحقيتها في ابتلاع العراق أيضا مع عدم السماح بوجود أي منافس ينتظر لقمة سائغة في العراق وإيران.

وحتما سيكون لإيران دور مهم في المنطقة في حال التوصل إلى تفاهمات ورغبات وتطلعات وأهداف العم سام وهذه المرة بمشروعية فقيه البيت الأبيض.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس