خلود الخميس – العرب القطرية

بعملية عسكرية يوم الأحد الثاني والعشرين من فبراير أجلى الجيش التركي حراس ضريح مؤسس الدولة العثمانية سليمان شاه ونقل رفاته، الأمر الذي فتح باباً للجدل السياسي في المحافل الدولية.

ويجهل كثيرون أن التصرف التركي كان قانونياً ومعتمداً على بنود الوثائق والمعاهدات في شأن ضريح سليمان شاه الذي يقع في سوريا ولكن الأرض تملكها تركيا.
حالة معقدة ولكن ما دامت معاهَدا عليها فما الذي فجر الأزمة؟

التأويلات التي تتربص بالإدارة التركية بقيادة حزب العدالة والتنمية المحافظ لا تخلو من دسائس المعارضة بقيادة كيلشدار وحلف فتح الله كولن، وما تطلق عليه الحكومة اصطلاح «الدولة الموازية» التي تريد بناء دولة داخل الدولة التركية. ناهيك عن تبعية جزء من العامة الذين يشكلون الأرقام الفارقة في الصناديق، بينما النسبة الأكبر كانت فطنة اختارت المجدد لهيبة الدولة التركية والمنعش لاقتصادها وأمنها الاجتماعي عبر المصالحة الوطنية والمتمثل في حزب «المحافظين».

تمحورت الحرب الإعلامية على الحكومة التركية في ثلاثة محاور:
- العزف على أوتار التدين الصوفي للدولة التركية عبر الاتهام بالقبورية وعبادة الأضرحة والدفاع عنها.
- الاتهام بإعلان الحرب على سوريا.
- الاتهام بالتصرف بلا إذن المنظمات الدولية.

إذن الهجوم كان بأدوات سياسية دينية قانونية.
أما التشكيك بقانونية التصرف التركي فتدحضه المواثيق الدولية، فإذا كان تطبيق المعاهدات التي أقرت بعلم وموافقة تلك الهيئات يتطلب موافقة في كل مرة تقوم الدول المعنية بتنفيذ أحد بنودها من تلك المنظمات فلماذا إذن نسميها معاهدة جارية المفعول قانوناً؟

والهجوم الديني فالرد عليه من عملية نقل الرفات التي تعتبر بحد ذاتها دليلاً على أن الأمر ليس في الضريح والقبر والحجر، بل بالحفاظ على رمزية ميتهم بالنسبة لشعبهم ووطنهم، تركوا الحجر وجاؤوا بالرفات منعاً لأي تهديد أو تحرشات قد تزج بتركيا في نزاع عسكري كانت قد قررت منذ بدء الأزمة السورية ألا تكون ضمنه، وقد كلفها ذلك القرار الاستراتيجي الكثير من ضبط النفس وحمل الاقتصاد التركي مئات الملايين بسبب انكباب اللاجئين السوريين على حدودها بتعمد النظام السوري دك المناطق الحدودية ليضطر أهلها على الفرار.

أما دعوى أنه إعلان للحرب على سوريا فهي أمنية المجتمع الدولي المنافق الذي استفز تركيا بكل الوسائل لتدخل طرفاً عسكريا في الأزمة السورية منذ أن بدأت ثورة الحرية، ولم تترك الاستخبارات الروسية والأميركية وبعض الدول العربية العميلة و «غيرهم» وسيلة إلا استخدموها لحصر تركيا في زاوية الخيارات ودفعها للتهور العسكري.

استخدموا ورقة الأكراد التي عملت عليها الحكومة أعواماً لتتحول من إرهاب إلى مصالحة، لعبوا بورقة الطائفية مع إيران وحكومة العراق والمواطنين الأتراك العلويين لنشر الفوضى والمظاهرات التخريبية في أنحاء ولايات تركيا، تحالفوا مع الشيطان وخلقوا «داعش» وأحالوا نزاعا في منطقة كوباني الصغيرة إلى قضية أمن للكرة الأرضية ولم يتركوا حيلة، ولكن لم ينجحوا وكانت الإدارة التركية أشد حنكة وصبرا.

الأزمة السورية التي أسهم العرب والمسلمون بتحويلها إلى حرب بلا تاريخ نهاية تحولت للون الداكن وغير الواضح منذ أن تم التلاعب بالملف طبقاً للهوى السياسي.
التمسك المعلن للأسد من روسيا، عبر الفيتو وغير المعلن بإرسال ميليشياتها لقتل الشعب السوري الأعزل، وإيران عبر إشراك وحدات عسكرية في صف جيش الأسد ما كان ليُمكن لهم لولا أن قابله تمسك مخفي لأغلبية خائنة تخفي أجندتها في الغرف الدبلوماسية للتفاوض القذر، بينما تعلن أنها اليد المانحة للسلام والأمان والاطمئنان والدعم للشعب السوري ضد جرائم الأسد مثل جبل الثلج رأسه لا تكاد تراه وأغلبه تحت الماء.

ولهذا اضطرت تركيا أن تتخذ منهجاً سياسياً خاصاً وشخصياً يتلاءم مع أمنها القومي ومصالحها، وهذا أحد حقوقها المشروعة، بل والمتواثق عليها ضمن معاهدات. منها مسألة أحقيتها في الأرض التي دُفن فيها جد مؤسس الدولة العثمانية عثمان الأول وهو «سليمان شاه» في الأراضي السورية.

المراقب للتطورات على الحدود التركية من جميع جهاتها يعلم أن هناك من لديه استعداد لأن يدفع نصف عمره ليزج الحكومة التركية بحرب عبثية مع سوريا والعراق، بالإضافة لإشعال فوضى داخلية في المناطق التي تقطنها أغلبية كردية أو علوية إن لم تكن موالية لنظام الأسد بوضوح فهي كذلك سراً.

ولكن المطمئن أن الأتراك ليسوا هواة في العمل السياسي.

عن الكاتب

خلود عبد الله الخميس

كاتبة وروائية كويتية مختصة في الإعلام السياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس