أردان زنتورك – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس

الدبلوماسية العالمية هي عبارة عن عالم من السحر، لهذا لم يكن وصف "زبغنيو بريجينسكي" للعبة السياسية الحالية بالشطرنج، لم يكن ذلك بالأمر التصادفي، لهذا إنْ لم يكن باستطاعتكم قراءة معطيات ما بعد الحملة التي يقوم بها منافسكم في لعبة الشطرنج، وإذا بدأتم باللعب حسبما يقوم به منافسكم، فستواجهون "كش ملك" كثيرا أثناء اللعبة.

تحليل التطورات الجارية في محيط منطقة "حسكة" في سوريا، وكذلك في منطقة عين العرب (كوباني)، يقودنا إلى أنّ تركيا تلعب حملات أمامية على طاولة "شطرنج المنطقة".

كوباني: البطن الرقيق لأمريكا

أصبحت اشتباكات كوباني تشكل إطارا للمناورات الإستراتيجية التي تُقام ضد تركيا، وحجم هذا الأمر لم تتخيله أو تتوقعه تركيا، فالحراك الكردي ضد داعش، وهم على حق في ذلك، لأنهم يواجهون منظمة إرهابية دموية، وصمودهم أمام هذه المنظمة ومقاومتهم لها سيجعلهم يفتخرون بذلك، وربما تصبح أحداث كوباني رمزا من رموز "القومية الكردية" ليفتخروا بها على مدار السنوات القادمة.

في الوقت نفسه تمثل عين العرب (كوباني) المنطقة والمخزن للأسلحة الذي تريد تركيا أنْ يتم نزعه من أجل أنْ يكون ذلك بداية الانطلاقة نحو عملية السلام الحقيقية.

التطوّر الذي قاد أوجلان إلى توجيه نداء لجبل قنديل من أجل "ترك السلاح"، حصل بتاريخ 20 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2014، عندما قامت القوات الجوية الأمريكية بإلقاء الأسلحة لوحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، فأمريكا التي قررت الابتعاد عن الدخول بعساكرها في مستنقع الشرق الأوسط، قامت مباشرة بمساعدة المسلحين الأكراد هناك، ليعلنوا بذلك البدء "بعملية التكافل والتعاون" بين أمريكا والأكراد.

قال اردوغان في تصريحات له نُشرت بتاريخ 23 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2014 عن هذه الحركة التي قامت بها أمريكا :"أمريكا فعلت ذلك رغما عن تركيا، وقد قلت لهم أنّ كوباني لا تمثل بالنسبة لكم مكانا استراتيجيا، فكوباني تمثل بالنسبة لنا مكانا استراتيجيا، والذين يجب أنْ يشعروا بحساسية الموقف في كوباني هم نحن".

ما حصل في الحقيقة هو أزمة ناتجة عن شريكين في حلف الناتو، فقد ساعدت أمريكا منظمة تهدد تركيا بالسلاح.

وأضاف اردوغان عن ذلك :"جزء من الأسلحة التي أنزلتها أمريكا إلى كوباني تحديدا، ندرك تماما بالمعلومات وبالأدلة أنها وصلت ليد المنظمة الإرهابية الأخرى داعش، وجزء آخر وصل إلى يد حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، فهل نظرت تركيا بإيجابية لوصول السلاح لداعش ولحزب الاتحاد الديمقراطي؟ لا، لم تنظر بإيجابية".

لم يستطيعوا قطع العلاقات بعد ذلك...

في البداية اعتقد تيار جبل قنديل أنّ أمريكا ستكون صاحبة الكلمة الأولى في المنطقة، وهذا جزء منه حصل فعلا، بينما اعتبر الطرف الأمريكي أنّ أول خطوة على هذا التعاون سيتمثل بإلحاق الهزيمة بداعش في كوباني، وكانوا محقين في ذلك أيضا.

لكن ظهر على السطح وضع لم يكن بالحسبان ولم نتوقعه نحن: وصلوا لمرحلة لا يستطيعون فيها قطع العلاقات بينهما!..

فقطع العلاقات بينهما سيُحرج أمريكا التي ما زالت تُصرّ على عدم إقحام عساكرها في مستنقع الشرق الأوسط، وبنفس الوقت، سيخسر جبل قنديل الحماية الجوية الأمريكية التي كانت سببا في انتصارهم على داعش.

وهنا وصلت الدبلوماسية إلى عالم السحر: فكيف لأمريكا أنْ تستمر بدعم منظمة تهدد دولة من دول حلف الناتو بالسلاح؟ فدعم هذه المنظمة عسكريا لا يعني الوقوف ضد تركيا فحسب، وإنما ضد كل دول حلف الناتو، فكيف ستفسر أمريكا لهم ذلك؟

نداء أوجلان لجبل قنديل بترك السلاح لم يُرحْ تركيا فحسب، وإنما أنقذ أمريكا أيضا!

فنحن نتحدث عن مصير حلف الناتو، لكن لم ينته الموضوع عند هذا الحد...

لم تقم أمريكا لوحدها بتقديم الأسلحة لإربيل لمواجهة خطر داعش، وإنما قامت دول من حلف الناتو مثل ألمانيا وانجلترا وفرنسا وكل دول المقدمة في حلف الناتو بإغراق إربيل بالأسلحة، ومن المعروف أنّ جزءا من هذه الأسلحة وصل إلى جبل قنديل.

استخدام هذه الأكوام من الأسلحة من قبل حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي التركية وضد القوات المسلحة التركية سيعني تشكيل خطر على مصير حلف شمال الأطلسي (الناتو).

نحن لا نتحدث عن أسلحة الكلاشينكوف، وإنما نتحدث عن الأسلحة المتطورة التي وصلت إليهم، فاستخدام هذه الأسلحة ضد القوات المسلحة التركية يعني حصول أزمة كبيرة جدا في حلف الناتو، وسيعني إغلاق تركيا العضو الاستراتيجي في الحلف، الأبواب أمام بقية أعضاء حلف الناتو.

لم يكن هناك اتفاق مع حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) أثناء القيام "بعملية شاه فرات"، وإنما كان هناك تحذير فقط، لكن كان هناك قرار من عاصمة أخرى يأمر فيه قوات حماية الشعب (YPG) بعدم استخدام السلاح الأمريكي الذي بيدهم ضد القافلة العسكرية التركية التي ستسير مسافة 14 كيلو مترا.

قمنا بمواجهة الاتحاد والتعاون بين البنتاغون وقنديل الذي بدأ في جبل قنديل بصورة فاعلة، ومن الغرائب أنّ هذا الاتحاد والتعاون قد تحوّل إلى أداة لتسريع "عملية ترك السلاح".

عند النظر إلى لعبة الشطرنج من الخارج نرى أنها لعبة معروفة القواعد، وأنها لعبة روتينية، لكن الجانب الجاذب فيها هو كونها لعبة مفتوحة لتشكيل مختلف الحملات المفاجئة.

عن الكاتب

أردان زنتورك

كاتب في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس