كمال أوزتورك – صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس

الشطرنج لعبة رائعة جدا، فالذي لا يملك الذكاء والإستراتيجية والبصيرة وبُعد النظر لا يستطيع أنْ يلعب هذه اللعبة، والسياسة والدبلوماسية تشبه كثيرا لعبة الشطرنج، لأنّ وجود الذكاء والإستراتيجية وبُعد النظر أمر هام جدا فيها، وعلينا إضافة عنصر التواصل إلى جانب العناصر آنفة الذكر.

شهدت الفترة الأخيرة تحركات حساسة وحاسمة سواء على صعيد السياسة الداخلية أو على صعيد الدبلوماسية الدولية. يحدث ذلك ونحن نتجه نحو الانتخابات، وكانت هذه التحركات تتسم بأنها تحركات من أجل إضافة القوة لتركيا في المنطقة، وأصبحت هذه التحركات تلعب دورا أساسيا في مستقبل تركيا.

الدبلوماسية أولا.

مراكز أربعة في العالم الإسلامي

يوجد في العالم الإسلامي أربع دول هامة، تركيا، السعودية، مصر وإيران، لكن العلاقات ما بين هذه الدول حاليا –للأسف- متدهورة، وهذه الدول الأربعة كالكرسي، إذا كُسرت منه إحدى أقدامه سيكون من الصعوبة بمكان إبقاء العالم الإسلامي واقفا على قدميه.

اعتقد أنّ أهم حدث أثّر على علاقات هذه الدول الأربعة ببعضها، هو ما حدث في مصر من انقلاب عسكري على الرئيس مرسي، ولهذا السبب تأثرت العلاقات بين كل من تركيا ومصر، وكذلك بين تركيا والسعودية التي دعمت الانقلاب.

أما إيران فقد ساءت علاقاتها مع كل الدول السنية تقريبا، وذلك بسبب سياستها المذهبية تجاه سوريا، ولهذا فإنّ علاقات كل الدول الإسلامية الأخرى ببعضها ساءت جدا بسبب تدهور العلاقات بين هذه الدول الأربعة.

لكن قدوم الملك سلمان ليستلم حُكم السعودية، بعد وفاة الملك عبد الله، قد ألمح إلى بعض الترجيحات والخيارات الجديدة التي يسعى الملك إلى تحقيقها، وعلى ما يبدو يسعى الملك لتشكيل سياسة جديدة ستؤثر على موازين العلاقات بين الدول المذكورة.

حركة اردوغان التي لم يُعلن عنها

زيارة اردوغان إلى المملكة العربية السعودية، جعلت كل العيون تتجه لمتابعة تفاصيل الزيارة من أجل معرفة مستقبل العلاقة بين تركيا والسعودية، لكن الأمر الذي لم يُنشر، هو أنّ اردوغان طلب زيارة الملك عبد الله ليطمئن على صحته قبل وفاته، وقد أرسلت أنقرة هذا الطلب إلى السعودية، ورد عليه ولي العهد سلمان حينها بأنّهم يرحبون بهذه الزيارة، لكنهم أخبروا أنقرة بأنّ عليهم الانتظار يومين ليقرروا أين سيستقبلون اردوغان.

حينها فهمت أنقرة أنّ الملك عبد الله ربما يكون قد توفي، وفعلا بعد يومين تحولت زيارة اردوغان من زيارة عادية إلى جدة، إلى زيارة تعزية في الرياض، حينما قطع جولته في إفريقيا للمشاركة بجنازة الملك عبد الله.

الإيماء المبكر الذي قام به اردوغان، كان يهدف من خلاله إلى سحب دعم الملك سلمان للسيسي، وهذا التغيّر المطلوب في السياسة هدفه إعادة العلاقات بين أقوى دولتين في الشرق الأوسط، وهذا ما حصل، حيث ستكون زيارة الملك سلمان لتركيا في القريب العاجل من أجل تسريع تعزيز العلاقات بين البلدين.

سيؤدي هذا الاتفاق بين السعودية وتركيا إلى إعادة نظر كل من إيران وروسيا وانجلترا وفرنسا وأمريكا في التحركات التي تقوم بها على شطرنج المنطقة، لأن هذا الاتفاق يعني إعادة النظر في العلاقات بين الدول الأخرى مثل قطر والإمارات والكويت والأردن والبحرين وحتى العديد من الدول الإفريقية، لأنّ ما يحصل هو تغييرات كبيرة في منتصف ساحة الشطرنج.

وداع الأسلحة

سيرى العالم أجمع خلال الأيام القادمة، نتائج التحركات الهامة جدا التي قامت بها الدبلوماسية التركية، فعملية السلام هي الأخرى ستؤثر على الاقتصاد وعلى السلام المجتمعي.

سعت بعض الدول الغربية إلى إفشال التوصل لحل مع الأكراد، لكنهم فشلوا في تحقيق هدفهم برغم جهودهم الحثيثة، فبيان سجن إمرالي ذو العشر نقاط بيانٌ هامٌ جدا، وسيشكل حراكا سيؤثر على أحجار الشطرنج، لأنّ عملية السلام والمصالحة الوطنية مع الأكراد ركبت الآن قطارا سريعا للوصول إلى وجهتها النهائية.

كليتشدار أوغلو لاعب نرد (لعبة الطاولة) وليس شطرنج

ما حققته الحكومة سواء على صعيد السياسة الداخلية أو من خلال الدبلوماسية الخارجية شكل دافعا قويا وزيادة في حضورها لدى الجماهير، ولهذا سيسعى داود أوغلو إلى استغلال ما توصلوا إليه في حملته الانتخابية، حيث ستكون الميادين والحملات الانتخابية خصبة ولديه ما يقوله للناس.

وهنا علينا أنْ ننتظر تحركات لأحجار شطرنج اللاعب المنافس في مقابل التحركات التي قام بها حزب العدالة والتنمية، لكن لن يأتي هذا الحراك من قبل حزب الشعب الجمهوري المعارض، وذلك لأن كيليتشدار أوغلو يجيد لعب لعبة الطاولة (النرد) فقط.

علينا أنْ ننتظر التحرك المقابل من قبل مجموعة "التحالف السيئ"، وأنا أعتقد أنّ التحركات الخارجية سيكون مركزها من قبل إيران، وأعتقد أنّ خط إيران-روسيا سيسعى إلى تحريك حزب العمال الكردستاني وكذلك تيار جبل قنديل من أجل إفشال عملية السلام، والهدف الأساسي هو جرّ تركيا لتعتني بشأنها الداخلي فقط بدلا من النظر والتفرغ لما يجري حولها في الشرق الأوسط.

بينما على صعيد الداخل، أعتقد أنّ البنك المركزي، وقوائم الناخبين ستكون أهم عاملين من أجل محاولة إيجاد خلاف وصدع داخل حزب العدالة والتنمية، وسيسعون كلهم من أجل زيادة التوتر بين داود أوغلو واردوغان لصرف كل طاقتهم هنا، لكي يصل حزب العدالة والتنمية منهكا إلى الانتخابات المقبلة وغير قادر على العمل بفعالية.

عن الكاتب

كمال أوزتورك

إعلامي صحفي تركي - مخرج إخباري وكاتب - مخرج أفلام وثائقية - مدير عام وكالة الأناضول للأنباء سابقًا


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس