ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

لقد كانت الحادثة الأخيرة في بلدية كوتشك شكماجه وتحديدا في حي إكتلي بين الأتراك والسوريين، والتي أسفرت عن عدد من الإصابات وإتلاف العديد من المحلات التجارية المملوكة للسوريين في الحي، غير مسبوقة على مختلف الصعد، لاسيما وأن هذه الحادثة تبعتها حادثة في حي آخر من أحياء الاسطنبول، حي الفاتح المشهور بتوجهه الإسلامي، وأصيب على إثره اثنين من الشباب السوريين يدرسان في معهد للقران الكريم، وهو ما يضع علامات استفهام عديد حول هذه العملية وتوقيتها، ويثير لغطا كبيرا حول وجود السوريين في تركيا، تصاعد منذ سنتين، بداية برفض الأسماء العربية على المحلات التجارية، وصولا إلى الاعتداءات الأخيرة.

حادثة إكتلي بدأت بشائعة عن طفل تعرض لطفلة تركية بالقول، مما أثار حفيظة الاتراك المتواجدين في الشارع، ليتحول لعب الأطفال إلى جريمة كادت أن  تودي بحياة العديد من الاتراك والسوريين على حد سواء، لكن المتابع للحدث عن قرب، وكنت منهم، بالإضافة إلى شهود العيان الذين حضروا الواقع من أولها إلى آخرها، أكدوا أن الأمر، بدى وكأنه مدبر، لاسيما وأن تداعيات الحدث، سواء في الحشد السريع والمنظم، أو تنظيم الشباب الملثمين الذين ظهروا فجأة بين الجماهير والمُحدِدين أماكن الاعتداءات، وكأن خريطة مرسومة بعناية للإضرار بممتلكات السوريين في المنطقة، تؤكد أن الامر لم يكن عفويا، وإن كان في بدايته كذلك، إلا أن جهة ما استغلت الموقف لتحقيق هدف ما.

لقد كان ملف السوريين حاضرا خلال الاستفتاء على التعديلات الدستورية الأخيرة، وحاضرا في الانتخابات البرلمانية، حتى أن رئيسة أحد الأحزاب جعلت دعايتها منصبة على هذا الجانب، مستغلة تذمر الأتراك من بعض تصرفات السوريين، مؤججة الشعور بالقومية من ناحية، ومذكرة بالحالة الاقتصادية التي بدأت تضغط على العالم، والتي عاشت تداعياتها تركيا مضاعفة بعد الحرب الاقتصادية التي شنتها أمريكا على البلاد، وتصاعد الحديث عن السوريين في الانتخابات الرئاسية، والضغط على حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية حتى صرح مرشح الحزب في بلدية إسطنبول بأنه سيرحل السوريين إلى مناطق غصن الزيتون بشمال سوريا في حال فاز في الانتخابات، وهو حديث رآه البعض انتخابيا لمسايرة منافسه، ورآه آخرون إهانة لكل العرب، لكن الإعلام بدأ في بث أخبار جهود الشرطة في القبض على الأجانب المخالفين، وهو ما قرأه الرافضون لتواجد السوريين، بأنه رفعا للغطاء عن من سماهم الرئيس أردوغان مهاجرين، داعيا الشعب التركي أن يكونوا لهم أنصارا.

حادثة طعن الشابين السوريين في حي الفاتح، ذي الأغلبية الإسلامية، الحاضنة للمهاجرين السوريين، إنما هي رسالة أراد بها من يريد تأجيج الأوضاع أن لا حاضنة للسوريين في عموم تركيا، وهو ما يتنافى مع طبيعة الشعب التركي بالأساس، لكن هؤلاء جمعوا جهودهم من اجل تحقيق هدفهم، وهو إحراج مؤسسة الرئاسة التركية والرئيس على وجه الخصوص، فعلوها قبل الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حين رصد الأمن ثلاثة حوادث نفذت بنفس الطريقة من قبل سوريين، صوروا تركيات بلباس البحر في ثلاث مناطق مختلفة، مفتعلين مشكلة مع الاتراك مصرحين بأنهم سوريون.

المتابع لإعلام محور الشر، السعودية والإمارات ومصر، يفهم مدى الحقد الذي تقطره هذه الأنظمة تجاه تركيا وقيادتها، وبعد الكشف عن تورط هذه الدول بشكل مباشر أو غير مباشر في محاولة الانقلاب في الخامس عشر من تموز عام 2016 يتأكد الدور الذي يمكن ان تلعبه تلك الدول على كل المحاور لإسقاط القيادة التركية المنتخبة، اقتصاديا وسياسيا ومجتمعيا، منسقة في ذلك مع دول غربية وجماعات وأحزاب في الداخل التركي.

الرهان الآن على الشعب التركي المحب لوطنه والذي خرج بصدوره العارية لمواجهة الدبابة في الخامس عشر من تموز، لكن بالتوازي يبقى على الإدارة أن تتعامل بحكمة مع الأزمة قبل أن تتفاقم، بالتفاهم مع الجمعيات والمنظمات السورية صاحبة الكلمة على المهاجرين السوريين لتخطي هذه الأزمة وتفويت الفرصة على من يريد لتركيا الشر.

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس