ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

في بدايات عام 2013 كتبت مقالا بعنوان قنبلة الكراهية الموقوتة، حذرت فيه من الحالة الإعلامية والشائعات التي تستعدي جزء من الشعب على الجزء الآخر سياسيا، وهو ما كنت أراه سينقلب مجتمعيا بشكل مباشر، ودشن حزب الوسط المصري، وأنا قيادي به، حملة لنبذ الكراهية ومن ثم العنف أسماها (لا للكراهية) لكن السيف قد سبق العزل ، والموجة العالية كانت قد غطت آذان الناس فلم يعودوا يسمعون لصوت العقل لاسيما وأن الإعلام وآلة إشاعات المخابرات كانت دارت وما كان لها أن تتوقف إلا بإنجاز مهمتها، وأنقسم الشعب حتى صار البيت الواحد منقسما، والرجل خاصم أخاه، والزوج خاصم زوجته، ورصدت حالات طلاق جراء هذا الفيروس، وانعكس ذلك على الشارع فزاد العراك وحرقت مقار فصيل سياسي وقتل أبناؤه على الهوية ومرت مصر بأيام صعبة لازال أثرها ممتدة حتى يومنا هذا.

ركبت تاكسي في إسطنبول فضغط السائق على زر عداد الأجرة ليحددها بعد نهاية الرحلة، وفي الطريق جاءتني محادثة تليفونية فرددت على الهاتف وكان زميل في العمل يستفسر عن شيء ما فتحدثت بطبيعة الحال بالعربية، فبدأ سائق التاكسي يمارس هواية سائقي إسطنبول في تطويل المسافة لأخذ أجرة أكبر، فرددته إلى الطريق، فبدا عليه الاغتياظ، وعندما وصلت إلى وجهتي، أنار العداد برقم هو تعريفة الرحلة، وكان بها كسور فجبرتها بليرة كاملة، فإذ بالسائق يطالبني بمزيد، فأشرت له إلى عداد الأجرة وقلت له أعطيتك أكثر من حقك، فإذا بالرجل ينفجر سبا في السوريين بألفاظ عنصرية يعاقب عليها القانون بالحبس، ولأني كنت في عجلة من أمري لم أشأ أن أرد عليه ولا أتخذ معه إجراءًا، لكن الأمر آلمني كثيرا، وشعرت مدى القهر الذي يعيشه السوريون عندما يتعرضون لمثل هذه الأفعال والأقوال، إنها الإنسانية يا سادة، إنها الكرامة التي خرج من أجلها الشعب السوري تاركا بلاده وحياته، لكنها في المقابل آلة إعلامية بغيضة تصب فيروس الكراهية صبا ليل نهار تجاه من أسماهم الرئيس أردوغان بالمهاجرين، ودعا الأتراك أن يكونوا لهم أنصارا، وهو ما يجعل حالة الكراهية المفاجئة تجاه السوريين لا تخرج بشكل من الأشكال عن طور المناكفة السياسية.

النجاحات التي حققها حزب العدالة والتنمية خلال سنوات حكمه، والتي غلفها بغلاف من الانتصار للمبادئ والأخلاق،ونقلت تركيا نقلة نوعية، تغيظ الحاقدين والمتربصين، وتجعلهم يعملون أي شيء من أجل إفشال هذا الحزب وقياداته التي تحكم البلاد، فلقد جربوا الانقلاب وفشلوا، ومستمرين في حرب اقتصادية مسعورة على البلاد أتت ثمارها جزئيا، وقلبوا رفاق الدرب في الحزب على بعضهم، ليظهروا شقاقا يستفيدون به في مخططهم لضرب الحزب من جهة وزرع ثقافة الشقاق في المجتمع من جهة أخرى، إذ كان حزب العدالة والتنمية ومؤسسوه مثالا للتماسك والتآخي، والآن بدأ الجيل الثالث من الحرب، لكنه أخطر من الانقلاب، أفتك من الحرب الاقتصادية، أن الكراهية لها أثر سلبي أشبه بالسموم نتيجتها في النهاية قاتلة، فالرغبة في الانتقام شعور فتاك يصيب صاحبه ومن مورس عليه.

يحكي أن معلمة في روضة أطفال طلبت من أطفل فصلها أن يحضر كل منهم كيس به عدد من ثمار البطاطس، لكي يلعبوا لعبة، وعليه إن يطلق على كل ثمرة اسم شخص يكرهه، ففعل الأطفال، وأحضر بعضهم ثمرة واحدة وآخر اثنتان وهكذا بعدد من يكره الطفل أحضر ثماره، وكانت شروط اللعبة، أن يحمل كل طفل كيس البطاطس معه أينما ذهب لمدة أسبوع واحد. وبمرور الأيام أحس الأطفال برائحة كريهة تخرج من كيس البطاطس، ولاستكمال اللعبة عليهم تحمل الرائحة وثقل الكيس، وطبعا كلما كان عدد البطاطس أكثر فالرائحة تكون أكثر والكيس أثقل، بعد مرور الأسبوع سألتهم المدرسة عن شعورهم وإحساسهم أثناء حمل كيس البطاطس، فأشتكى الأطفال من الرائحة وثقل الكيس وعبروا عن مدى الإحباط أثناء حمل الكيس الثقيل ذو الرائحة النتنة أينما يذهبون، فقالت المدرسة: هذا حال ما يحمل الإنسان من كراهية لشخص ما، فالكراهية ستلوث قلبه وتجعلهيحمل الهم معه أينما ذهب.

الكراهية فيروس فتاك، ما إن ينتشر في مجتمع إلا وقضي عليه، فحذار من أن ينساق هذا الشعب الطيب وراء رغبات أعدائه، فيفشل وتذهب يريحه.

يقول غاندي: (الكراهية تقتل دائما و الحب لا يموت أبدا.)

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس