د. علي حسين باكير - العرب القطرية

أعلن البيت الأبيض الأسبوع الماضي إخراج تركيا من برنامج إنتاج المقاتلة «أف- 35» من الجيل الخامس، مشيراً إلى أنه ليس بإمكانها اقتناء المقاتلة ونظام الدفاع الصاروخي الروسي (أس-400) معاً. وفي تأييد لهذا القرار، أقام البنتاغون مؤتمراً صحفياً مصوّراً أوضح فيه آلية إخراج تركيا من البرنامج، وما سيترتب عليه، موضحاً أنه ستستمر عملياً إلى حين الانتهاء كلياً من استبدال الشركات التركية في مارس ٢٠٢٠. وبموازاة ذلك، وبينما كان يتم التحضير لفرض عقوبات على تركيا، وفق قانون مكافحة خصوم الولايات المتحدة (CAATSA)، قال الرئيس الأميركي إنه لا يبحث الآن فرض عقوبات على أنقرة، في محاولة على ما يبدو لاحتواء الوضع قبل النظر في الخيارات المتاحة.

في المقابل، حذّر عدد من المسؤولين الأتراك ردّاً على التهديدات الأميركية بأن بلادهم مستعدة لاتخاذ إجراءات مضادة إذا ما تقرر بالفعل فرض عقوبات. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أرسل رسالة مبطّنة يوم الجمعة الماضي أشار فيها إلى أن تركيا «زبون» مهم للمنتجات الأميركية، وقد استلمت للتو واحدة من أصل ١٠٠ طائرة بوينج حديثة كانت طلبتها، لافتاً إلى أنّه سيتم إعادة النظر بالعقد إذا ما تمّ فرض عقوبات. الرئيس التركي شدّد أيضاً على أنّ تركيا ستبحث في مكان آخر للحصول على مقاتلات إذا قرّرت الولايات المتّحدة ألاّ تبيع مقاتلة «أف- 35» المتعددة المهام الأحدث في العالم إلى أنقرة، مضيفاً أن إقصاء تركيا من برنامج إنتاج المقاتلة لن يردع أنقرة عن تلبية احتياجاتها الدفاعيّة في هذا المجال.

وكانت روسيا قد عرضت الأسبوع الماضي إمكانية بيع مقاتلة «أس يو 35» إلى تركيا بعد أن تمّ إخراج الأخيرة من برنامج إنتاج مقاتلات «أف- 35». وتعتبر هذه المقاتلة الأحدث في روسيا، إلا أنها تنتمي إلى الجيل الرابع، وبالرغم من أنها أقل قدرة عن مقاتلة «أف- 35» المتعددة المهام، إلا أن آخرين يعتبرونها البديل الأكثر كفاءة، لأن تملأ الفراغ الذي ستتركه «أف- 35». شخصياً، لا أعتقد أن أنقرة ستهرع إلى قبول العرض الروسي هذه المرّة، وذلك لعدّة أسباب، لعل أهمها هو أن الباب لم يقفل تماماً أمام حل النزاع المتعلّق بمقاتلات «أف- 35».

هناك عرض أميركي حالياً يقضي بأن لا تقوم تركيا بتفعيل المنظومة الروسية في مقابل عدم فرض عقوبات، وتوقيع اتفاق تجارة حرّة. مثل هذا العرض يوحي بأنّ الأمور لم تنته، وإذا ما وافقت تركيا فقد يكون مقدّمة لإعادتها إلى برنامج إنتاج المقاتلة «أف- 35» والحصول عليها. أمّا المسألة الأخرى، فهي أن غياب «أف- 35» سيحرم تركيا من دون شك من التفوق الجوي التام في المنطقة، لكنها لا تزال تمتلك واحداً من أكبر أسراب المقاتلة الـ «أف-16» في العالم، ومن المتوقع أنها ستبقى في الخدمة لعدة سنوات. مسارعة تركيا إلى قبول العرض الروسي قد تغلق الباب أمام إمكانية الحل، وبذلك تكون أنقرة قد خسرت فرصة دون أن تقرع بابها.

علاوة على ذلك، من المحتمل أن يؤدي قبول أنقرة العرض الروسي في أي وقت قريب إلى تداعيات جيوبوليتكية يفوق مداها الخلاف بين تركيا وأميركا، وقد تتسبّب بخلاف أكبر بين تركيا وحلف شمال الأطلسي، وسيصبح من الصعب حينها تبرير الموقف التركي، على اعتبار أن هناك بدائل متاحة للمقاتلة الروسية، كمقاتلة «رافال»، أو «اليورو-فايتر» الأوروبية. ولذلك، فإن المخاطر الناجمة عن شراء «أس يو 35» أكبر من أي منافع قد تنجم عنها في الوقت الحالي.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس