محيي الدين أتامان - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس 

ثمة جبهتان نشطتان وثلاث جهات فاعلة محلية في الأزمة السورية. الجبهة النشطة الأولى هي المنطقة الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)/ ميليشيا "ي ب ك"، والأخرى هي منطقة إدلب التي تسيطر عليها جماعات المعارضة السورية. لا يريد نظام الأسد، بوصفه أحد الجهات الفاعلة المحلية الرئيسية، قتال "ي ب ك"، لأنه يركز، على الأقل في الوقت الحالي، على محافظة إدلب فقط، وليس المنطقة الخاضعة لسيطرة قسد/ "ي ب ك".

لا يمثل قتال "ي ب ك" أولوية بالنسبة للنظام على المدى القصير. وبالمثل، تركز "ي ب ك" على المناطق الواقعة شرق الفرات فقط. وفي المقابل فإن جماعات المعارضة السورية التي تدعمها تركيا هي التي تقاتل على جبهتين مختلفتين. أي أن جماعات المعارضة هي أهداف لكل من قسد/ و"ي ب ك" وقوات النظام. لذلك، فإن موقف جماعات المعارضة أكثر ضعفا من موقف اللاعبين المحليين الآخرين. ومن ناحية أخرى، هناك أربعة أطراف خارجية رئيسية هي تركيا والولايات المتحدة وروسيا وإيران، تهيمن على التطورات على الأرض في الأزمة. وفي حين تعد تركيا كلا الجبهتين أمرًا حيويًا لسياستها السورية، فإن الأطراف الثلاثة الأخرى تركز على جبهة واحدة فقط.

أي أنه بينما تقاتل تركيا على هاتين الجبهتين، فإن الجهات الخارجية الثلاث الأخرى تركز فقط على واحدة من هاتين الجبهتين.

كانت روسيا وإيران تدعمان نظام الأسد منذ بداية الأزمة. وهما لا تقاتلان قسد/ "ي ب ك".

وعلى العكس من ذلك، وعلى الرغم من أن "ي ب ك" يسيطر على ثلث الأراضي السورية، فإن لكل من إيران وروسيا علاقات ودية معه.

تتعاون روسيا التي تربطها علاقات وثيقة مع "ي ب ك"، في منطقة تل أبيض، خاصة منذ عملية غصن الزيتون في تركيا. من وجهة نظر روسيا، ما دام "ي ب ك" لا يستهدف قوات النظام، فإنه مقبول، حتى كشريك استراتيجي محتمل.

وبالمثل ترى إيران أن "ي ب ك" جهة فاعلة لأنها تهدد موقع تركيا في سوريا. وبالنظر إلى توازن القوى الإقليمي، تتلاعب إيران بتنظيم بي كي كي وفروعه كأدوات سياسية لمواجهة نفوذ تركيا الإقليمي.

من ناحية أخرى تحاول الولايات المتحدة تعزيز قوة "ي ب ك" في سوريا. طردت الولايات المتحدة داعش من الجزء الشمالي الشرقي من البلاد، وتركت المنطقة لـ"ي ب ك".

في الوقت الحاضر، تحاول واشنطن حماية ميليشيا "ي ب ك" من أي عملية عسكرية تركية محتملة. وبسيطرة "ي ب ك" على ثلث مساحة البلاد ومعظم الموارد الطبيعية، تدعمها الولايات المتحدة بشكل مستمر ماليًا وعسكريًا.

لا تتردد الولايات المتحدة في دعم الفروع السورية لـ"بي كي كي" الذي تصنفه الولايات المتحدة منظمة إرهابية. لا تقاتل الإدارة الأمريكية النظام. وبينما تعلن الولايات المتحدة علنًا أنها تؤيد الإطاحة بنظام الأسد، فإنها تمتنع عن اتخاذ التدابير اللازمة ضد النظام.

وفيما يتعلق بتركيا، فإننا نرى صورة مختلفة. يتعين على تركيا، بوصفها دولة لها حدود طويلة مع سوريا، أن تقاتل على الجبهتين النشطتين للأزمة السورية.

تعد قسد/ "ي ب ك" عنصرا حيويا لمصالح تركيا الوطنية، بما في ذلك سلامتها الإقليمية. تشكل "ي ب ك"، بوصفها امتدادا خارجيا لـ"بي كي كي"، تهديدا رئيسيا لتركيا على المدى الطويل. وكان للتطورات الحاصلة في محافظة إدلب أهمية كبيرة بوصفها قضية إنسانية وقضية أمنية وطنية بسبب حساسية مشكلة اللاجئين.

وعلى ذلك، يتعين على تركيا تحدي كلا من السياسة الأمريكية في المنطقة التي تسيطر عليها قسد / "ي ب ك"، والعمليات الروسية فى منطقة إدلب. تحاول تركيا الاستفادة من التطلعات المتضاربة لهاتين القوتين العالميتين. ومن ثم تحاول تركيا استخدام الولايات المتحدة وروسيا ضد بعضهما.

على أنه عند النظر عن كثب في التطورات على الأرض، يمكن للمرء أن يرى أن الولايات المتحدة وروسيا ليس لديهما روى محددة  تمامًا بشأن الأزمة السورية.

يتفق البلدان على بعض القضايا، بما في ذلك دعم "ي ب ك"، واستمرار نظام الأسد، وإضعاف جماعات المعارضة وردع أي هجوم على إسرائيل.

أصبح من الواضح الآن أن الولايات المتحدة وروسيا لا تريدان سوريا قوية ومستقرة، فاستمرار الأزمة يوفر بيئة ملائمة لهما للتدخل في الأزمة.

ومن ناحية أخرى لم تتمكن هذه الجهات الفاعلة العالمية من التدخل في الأزمة ولم تتمكن من إنشاء قواعد عسكرية هناك. لكن بمساهمتهما في عدم الاستقرار السياسي في المنطقة، وجد البلدان فرصة لإقامة قواعد عسكرية على الأراضي السورية.

وفقًا لاستراتيجية فرق تسد الاستعمارية التقليدية، وافقت روسيا والولايات المتحدة ضمنيًا على السيطرة على أجزاء مختلفة من سوريا. بينما كانت روسيا تسيطر على المنطقة الخاضعة لسيطرة النظام، كانت الولايات المتحدة تهيمن على المنطقة التي تسيطر عليها  قوات سوريا الديمقراطية / "ي ب ك".

ونتيجة للتعاون الضمني بين القوتين العالميتين، زاد تأثيرهم على الأرض زيادة كبيرة. 

تواجه تركيا تحدي كل من الولايات المتحدة وروسيا في سوريا. وأخيرا، فإن مستوى التعاون بين هاتين القوتين العالميتين وقدرة تركيا على لعب هاتين الدولتين ضد بعضهما البعض سوف يؤثر إلى حد كبير في نجاح تركيا في سوريا.

وبالنظر إلى القدرة العسكرية لهاتين القوتين العالميتين وقدرة تركيا على تغيير اللعبة، فإن الأمر سيستغرق بعض الوقت للوصول إلى حل حقيقي في الأزمة السورية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس