طه أوزهان - صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس

الأمر الذي يستدعي قول عبارات جريئة حول الجوانب البوليسية لهذه العلاقات، هو مواقف الجماعة أكثر من الوثائق أو الأدلة المسرّبة عنها.

يتمثل ‫المحور الرئيس للنقاش بموقف الجماعة إزاء التطورات ذات الصلة بإسرائيل، أكثر من أن يكون العلاقة بحد ذاتها بين الجماعة وإسرائيل. فالجماعة ترفض حتى الآن القيام بالخطوات اللازمة أو حتى إجراء تعديلات بسيطة على مواقفها لقطع الطريق أمام وصفها بـ "عنصر إشكالي" في النقاشات المتعلقة بإسرائيل.‬‎

‫وحتى بعد محاولة الانقلاب في17 كانون الأول/يناير من العام الحالي لم تُغيّر التصريحات والأخبار التي نشروها بشكل أخرق ومتباهٍ عن: النظرة للإسلام وعن الخطابات السياسية وعن مسألة فلسطين، شيئاً من هذه الحقيقة.

ولن تتغير طالما جعبتهم مليئة بأشياء من الماضي، وطالما ليس لهم أي دور واضح أو موقف تجلى في محاولة إقناع، لا على الصعيد الرئاسي ولا حتى على الصعيد غير الرئاسي.

يمكننا أن نجد رسالة "تعزية" نشرها "غولن" من أجل الفلسطينين بعد مضي 13 يوماً من المجازر التي ارتكبتها إسرائيل، لقد أسماها "تعزية"، ولم يصفها باللعنة، وهذا وحده كاف بالنسة لي. وتطرق فيها إلى الصدمات الغريبة التي يتعرض إليها الإسرائيليون. والأهم من كل هذا أنه في رسالته التي تجاهل فيها أميريكا لم ينسَ أن يُعرّج على ذكر أردوغان من وراء السطور، وجاء في الرسالة: "إنّنا نحس مرة أخرى بضعفنا بين الدول وانعدام ثقلنا في الموازين العالمية".

هذا هو المفهوم الأساسي للتدين عند جماعة "غولن"، فهو ينتكس في المسائل التي تتعلق بإسرائيل. إنها اللغة أو بالأحرى الفقه الذي يتكلمون به أمام إسرائيل الدولة القوية وصاحبة حصة الأسد في موازين القوى العالمية، أو أمام أي دولة قوية أخرى، ومبدأ "الضعف أمام القوة وكل شئ أمام العدم". ولن تتغير اللهجة ولن يتغير الفقه.

أما إذا ما حصل تغير في القوى، يمكن لنا أن نلاحظ لهجة مختلفة تماماً في الكلام كما حدث في الثمانينيات والتسعينات في تركيا، حيث كانت علاقة غولن بالقوى في تركيا مختلفة عما هي عليه الآن، مما أسفر عنه تغير في اللهجة التي أصبحت لهجة المعتذر المتودد. ويكفينا أن نرى الفرق بين لهجته تلك ولهجته عام 2014 حتى نرى الأمر بوضوح كبير.

لا تخفى على أحد اللغة والعالم الذي صنعته الجماعة في علاقاتها مع إسرائيل، فأين هي من تلك العلاقات التي أسستها مع الحركات المسلمة وخصوصا الحركات الفلسطينية التي تخوص صراعاً مسلحاً ضد الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي ضد أميريكا، وهذا لايناسب أبداً جماعة غولن، فنأت بنفسها عن القضية برمتها.

وبمضي الوقت، أصبحت الجماعة غريبة كل الغرابة بعيدة كل البعد عن الكفاح الفلسطيني، وتركزت كل اهتماماتها  على أجنداتها الخاصة، ومع هجرة غولن إلى الولايات المتحدة انتقلت مسألة إسرائيل إلى مرحلة مختلفة.‬‎

إنها قصة هجرة من تركيا لا حول لها ولا قوة منغمسة في العدم إلى عالم الدولة الأقوى القادرة على كل شيء. لدى عودته من الولايات المتحدة عام 1997، قال "فتح الله غولن": "إن الولايات المتحدة بوضعها الراهن في العالم وبإطارها الحالي قادرة على التحكم بجميع العالم بما تتمتع به من مكانة وقوة. فمن الممكن إدارة جميع الشؤون في مختلف أنحاء العالم من هنا، بل وحتى يمكن القول إنه من غير الممكن الحصول على دعم دون خطب ود الولايات المتحدة بشكل أو بآخر، والأكثر من ذلك أن الأمريكيين قادرون على منع أي شخص من القيام بأي شيء في أي مكان من العالم إذا لم يخطب ودهم".

لاحقاً نقلت الجماعة مقرها الرئيس وزعيمها إلى الولايات المتحدة، ولم تكتفِ بالتعرف على "مركز القوة" وحسب، بل تعرفت كذلك على قوة اللوبي اليهودي في الحياة السياسية والاقتصادية هناك، حينها تنبهت الجماعة إلى "العبودية" الأمريكية في واشنطن وإلى "أسلوب استجماع القوة" خلال فترة وجيزة.

‬لم يكن هناك أي سبب لعدم تطبيق نموذج مشابه، إذ من الممكن تأسيس محطة أو جسر بين تركيا والولايات المتحدة بل وحتى بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي على غرار اللوبي اليهودي (الذي يربط) بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

بعد أحداث الحادي عشر من أيلول ازداد الفراغ الذي خلفه "المسلمون الطيبيون" الذين أثبتوا نضجهم. فاقتحمت (الجماعة) هذا الفراغ دون استئذان ودون حتى أن تكلف نفسها عناء التفكير بما تخسره أو من أين جاءت وإلى أين تذهب. وكان يجب الابتعاد عن فلسطين التي ليس لديها ما تفقده وعن قضيةٍ "خسارتها مؤكدة" وتجنب مواجهة قوة تمتلك "كل شيء" مثل إسرائيل.

هذا بالتأكيد لم يكن حباً بإسرائيل، تماماً كما أن الفترة ما بين عامي 2002 و2010 لم تكن "حباً بأردوغان". بيد أنهم لا يبالون بما يعنيه اتخاذهم منحى "بُغض أردوغان"، الذي بخِلوا به على إسرائيل، وانعكاسات هذا المنحى على تركيا وعلى العالم. بل هم وعلى العكس يعتقدون أن هذا المنحى هو بمثابة استثمار.

تشكل القضية الفلسطينية "مشكلةً أزلية" لعقلية المبشرين المرفّهين، وإنّ فقهاً لا يتحمل الخسارة يرى ضرورة النأي بالنفس عن القضية الفلسطينية ولا يُنتِج شيئاً سوى الخسارات (الاقتصادية)، ممّا يؤدي إلى خسارة الأصدقاء وكسب الأعداء. إلا أنّ إسرائيل أشبه ما تكون بورقة زهرة عباد الشمس. هل يمكن النجاح دون الخضوع لامتحان إسرائيل؟ بالتأكيد. الشرق الأوسط والعالم يزخر بمثل تلك النماذج!‬‎

عن الكاتب

طه أوزهان

أكاديمي وكاتب أسبوعي في عدد من الصحف التركية والعالمية.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس