حمزة تكين - أخبار تركيا

في إطار اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الـ 74، حرص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذه المرة أيضا على الحضور شخصيا، وإلقاء كلمة الجمهورية التركية بنفسه، بصفته الرئيس التركي.

ورغم علم الكثيرين أن منظمة الأمم المتحدة ومنذ تأسيسها لم تقدم خيرا للبشرية، إلا أنه من الواجب ـ ورغم كل تلك السلبية ـ الحضور وتذكير هذه المنظمة أنها لم تنجح بعد بتحقيق الغايات التي تأسست لأجلها، فوضع البشرية المأساوي لا يخفى على أحد.

حضر أردوغان، وألقى خطابا وضع العالم أمام الصورة الحقيقية التي تعاني منها البشرية عامة، ويعاني منها المسلمون خاصة.. والامتحان الجديد لهذا العالم بدأ، وبعدها إمّا رسوب بعد رسوب، أو نجاح يمحو ما سلف من تقصير وتخاذل.

لم يكن أردوغان وهو يلقي خطابه، يتكلم بلسان الشخص التركي الذي يمثل الجمهورية التركية، فلم يصب اهتمامه الكلي على ما يهم تركيا من قضايا وملفات، بل صب اهتمامه على ما يهم الإنسانية عامة والمسلمين خاصة.

لم يتكلم أردوغان بلسان الشعب التركي فحسب، بل كان كلامه بلسان نحو 2 مليار مسلم.. تطرق لأوضاعهم ولأوجاعهم ولآلامهم ولمعاناتهم ولتطلعاتهم وأحلامهم.

بدأ أردوغان بتذكير العام بأكبر نظام ظالم على كوكب الأرض، وهو حصر قرار البشرية بخمس دول فقط لا غير، خمس دول لا تمثل كل بني البشر في العالم.. فالعالم شاء من شاء وأبى من أبى هو أكبر من خمس.

ثم أكمل متطرقا لمشاكل المسلمين في العالم، مذكرا المجتمعين أن كل هذه المآسي هي بسبب تقاعسهم وبسبب أطماعهم بثروات الآخرين.

ذكر أردوغان مسلمي ميانمار الذين يعانون حتى اليوم من إرهاب التنظيمات البوذية المتطرفة.. والعالم صامت.

ذكر أردوغان اليمن وما يعاني جراء الصراع الإقليمي العقيم، من مأساة إنسانية هي الأكبر في عصرنا الحديث.. والعالم صامت.

تطرق أردوغان لليبيا والفاتورة الدموية التي تدفعها بسبب دعم الانقلابيين هناك من أنظمة تكره حرية الشعوب.. والعالم صامت.

لم ينس أردوغان مجزرة نيوزيلندا ـ التي نسيها العالم ـ فنادى وبجرأة لم نعهدها على أي رئيس في عالمنا الإسلامي، بضرورة جعل يوم المجزرة ذكرى سنوية للتضامن ضد معاداة الإسلام.

سوريا، الجرح النازف بسبب أنظمة إقليمية ودولية لا تعرف معنى الإنسانية، دمرت هذا البلد العربي وشردت شعبه.. سوريا لم تغب عن خطاب أردوغان الذي وضع العالم أمام امتحان مصيري في هذا الملف، فالمجازر مستمرة هناك والتهجير والقتل والتدمير والإرهاب.. والعالم صامت.

وفلسطين، القضية الأبرز التي فضحت ما فضحت من عملاء وخونة، كان لها الحصة الأكبر من النقاط التي وضعها أردوغان على حروب العالم المتخاذل، مذكرا بإرهاب الدولة الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي.

ذكر العالم بالمسجد الأقصى المظلوم الرازح تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، هذا المسجد المبارك الذي يُباع اليوم ويُشترى بأيدي "المسلمين" قبل غيرهم، كي يحصلوا على أنواع أكثر قوة من الصمغ لكراسي السلطة والحكم.

رفع أردوغان 3 صورة خلال خطابه، من يدرك رسائلها سيعلم أن الخطاب كان باسم أمة كاملة وليس باسم بلد واحد.. رفع أردوغان خريطة فلسطين وكيف تآكلت مع الوقت بفعل الاحتلال الإسرائيلي وإرهابه، ورفع صورة الطفل السوري "أيلان" فاضحا الإنسانية المزيفة للدول الكبرى، كما رفع خريطة سوريا المهددة بالتقسيم بسبب أطماع الدول والتنظيمات الإرهابية.

عرج أردوغان على قضية كشمير، حيث يتم اضطهاد المسلمين.. والعالم صامت.

لم يترك أردوغان ما يهم المسلمين في العالم إلا وذكره، فاهتمامه لم يكن بتركيا وحدودها الجغرافية.. بل كان اهتماما بأمة تعاني من ظلم البعيد وخيانة القريب.

يكفي أردوغان شرفا أن فقراء الأمة وضعافها وطيبيها وصالحيها وعوامها شعروا أن أردوغان كان يتكلم بلسانهم... ولسنا بحاجة لأصحاب الأموال المترفة الممزوجة بالخيانة والتخاذل والترف والبعد عن الله.

كان بإمكان أردوغان أن يلقي خطابا يعرج فيه على القضايا التركية البحتة، ولكنه لم يفعل، بل فعل ما يمليه عليه الدين والأخلاق والإنسانية والضمير الحي والشعب التركي.. والأمة.

يكفي أردوغان شرفا أن جعل الله لسانه ينطق بالحق ممثلا ألسنة نحو 2 مليار مسلم، فحقيقة لقد ظهر أردوغان مجددا على حقيقته الطيبة الغيورة على المسلمين، فشكرا نيويورك حيث تخلى أردوغان عن "تركيّته".. وظهر أردوغان المسلم الذي لا يعرف عنصرية وعرقية ومصالح.

عن الكاتب

حمزة تكين

كاتب وصحفي تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس