غولاي الأسعد ومحمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس

الخلافة العثمانية نشأت بتطبيقها تعاليم الإسلام السمحاء في كل مناحي الحياة، ولم يكن لها أي نظام آخر غير الإسلام، فبذا جمعت كل القوميات تحت جناحها على امتداد أراضي الخلافة من الهند حتى المغرب ومرورا بأواسط آسيا وحتى وسط أفريقيا.

إن كلمة العثمانيين أو الرعايا العثمانيين هي كلمة شاملة جامعة احتوت كل مواطن مقيم بصورة دائمة في أي منطقة أو مدينة داخل حدود الدولة العثمانية، وبالطبع فإن مسايرة إدارات الدولة بكل مؤسساتها كانت من قبل رعاياها ابتداءً من منصب الصدر الأعظم والوزراء والقادة والولاة والقضاء وباقي موظفي الدولة فحيث يحتل الكفؤ مكانه اللائق ويملأ كرسيه دون أية اعتبارات أخرى لونًا كان أو جنسًا أو دينًا أو ملةً.

وحتمًا كان الكثير من الولاة والمستشارين والوزراء من قوميات غير تركية، وكان الكثير من العرب قد تقلدوا منصب الصدر الأعظم منهم عثمان باشا المصري وخير الدين باشا التونسي ومحمود شوكت عراقي وسليمان الكيلاني البغدادي وغيرهم.

كما تولى القضاء عددًا كبيرًا من العرب، ومنهم من تولى قضاء مدينة إسطنبول عاصمة الخلافة العثمانية، فقد تولى سبعة عشر قاضيًا عربيًا منصب قاضي عاصمة الخلافة إسطنبول.

وبمعنىً أشمل وأكمل فإن الدولة العثمانية التي أسسها بنو عثمان أبناء القبيلة التركية الذين هاجروا من أواسط آسيا إلى الأناضول كان أساس تكوينهم وأول انتصاراتهم حميتهم لأبناء دينهم السلاجقة في أثناء قتالهم للبيزنطين في إحدى المعارك، ولذا فإن كل ما يهمهم كان هو نصرة الإسلام والمسلمين وإعلاء كلمة الدين.

ولكن هذا التاريخ الناصع لم يكن يستهوي الغرب إطلاقًا منذ أيام الخلافة العثمانية وما بعد انحلال الدولة لأن الصورة المشرقة لن تكن ممهدة أبدًا للولوج من خلالها الى كسب المناصرين لهم والمناوئين للدولة العثمانية سابقًا، وكذلك الحال في الوقت الحالي لغرض زرع الكراهية بين أبناء الملة الواحدة من الأتراك والعرب وباقي القوميات المتآخية والتي كانت تكمل النسيج والفسيفساء الجميل للأمة الإسلامية في ظل الخلافة العثمانية.

في صفحات تاريخنا المعاصر الكثير من الشواهد على عمليات التشويه المفتعلة لاغراض دنيئة قامت بها الكثير من الدوائر الغربية.

نذكر جميعا كيف تجيشت الدوائر الغربية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لتشويه العرب والفلسطينيين والمسلمين وذلك لاستدرار مزيد من التأييد لإقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين. حيث كان من الضروري رسم صورة قبيحة جدًا للعرب لكي يكون هناك مبررٌ قويٌ (لإحلال أناس “متحضرين” منحدرين من الثقافة الغربية مكان همجيين عرب يسكنون فلسطين التي هي الأرض المقدسة. وقد روج الصهاينة ومعهم كثيرون من اليهود الذين لم يكونوا قد تصهينوا إلى ما أسموه العرب الحيوانات أصحاب الأذناب. كانوا يقولون إن للعربي ذنبًا طويلًا تخفيه ملابسه، وكان يطلب بعضهم من العربي أن يخلع ملابسه ليروا ذنبه )(منقول).

ولعل تصريحات الرئيس اللبناني ميشيل عون المقرفة حول الدولة العثمانية وبوصفه لها بالدولة الإرهابية هي نموذجٌ معاصرٌ لتلك التجييشات الإعلامية، وهذه المرة بغاية مهاجمة تركيا والرئيس أردوغان شخصيًا، والذي تخطى الكثير من الحواجز نحو الفضاء الأوسع فضاء التخلص من التبعية للغرب ولأمريكا حيث الحرية والاستقلالية ومناصرة القضايا الإسلامية العادلة.

فبعد عدة  أيام من الزيارة الرسمية لوزير الخارجية التركي للبنان ولقائه بالمسؤولين اللبنانيين حيث صادفت الذكرى المئوية لتأسيس دولة لبنان، وصف الرئيس اللبناني الدولة العثمانية بالدولة الإرهابية وكأن الدولة العثمانية لا زالت تخفق راياتها في سماء تلك الدولة التي لا زال جزء من بقاعها محتلًا منذ سنواتٍ طويلةٍ من إسرائيل التي تحتل بالإضافة إلى أجزاء من لبنان فلسطين والجولان وقسمًا من أراضي الأردن.

هذا التصريح غير المسؤول أثار غضب اللبنانيين وخاصة مدينة طرابلس قلعة الصمود وعرين أسود ألشمال اللبناني ورجال بلدة عكار التابعة لمحافظة طرابلس.

- أنا لا أتحدث بصفتي تركمانية أو بانحياز قومي فحسب وإنما من باب الاطلاع على التاريخ العثماني ككل...:

فقد كانت جميع الطوائف والأديان تلجأ إلى الدولة العثمانية من أجل العيش بسلام هربًا من الظلم وتضييق الحريات منذ أيام محاكم التفتيش الأوربية السيئة الصيت لممارسة شعائرهم الدينية بحرية والمحافظة على مراكز العبادات وعلى عاداتهم وتقاليدهم.

ونحن لن نتكلم عن الإعمار وعن شبكات الطرق والترامواي وسكك الحديد وقطاراتها والجسور والقناطر وباقي أنواع الخدمات والبنى التحتية المزدهرة والتي قدمتها الدولة العثمانية لأبناء لبنان والتي كانت متقدمة على الكثير من أقرانها من المدن والبلدات حول العالم.

وكما أسلفنا فإن الدولة العثمانية والتي قامت على نصرة الدين والدفاع عن المظلومين كانت خير حامي لكل المعتقدات والأديان والقوميات وتراثياتها وتقاليدها، وكانت مضطلعة بحراسة دورالعبادة لكل الأديان السماوية، وأيضًا كانت الدولة العثمانية هي الملجأ الآمن لكل المضطهدين في العالم من كل الأديان، وربما كان أحد اجداد ميشيل عون أحد الناجين والملتجئين للدولة العثمانية هربًا من مجازر المتطرفين ومحاكم التفتيش أو ظلم الإقطاع في الدول الخارجة عن الخارطة العثمانية، ويقينًا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو متى بدأت الهجرة من أقطار العالم الإسلامي والعربي نحو الغرب، وأيضًا متى احتلت الأراضي الفلسطينية ومتى أقيمت الدولة الإسرائيلية.

إن الوقائع هي الدلائل والقرائن التي تعبر بكل شفافية عن مرحلةٍ تاريخيةٍ مهمةٍ مهما كان حجم التضليل، فالوقائع تثبت أن المسيحين واليهود قد لجؤوا من أقطار أوربا نحو الأراضي العثمانية للإقامة في مدنها وقصباتها هربًا من الظلم والفقر.

التصريح المدفوع الثمن للرئيس عون قد أثار غضبًا كبيرًا في صفوف اللبنانيين، حيث نظم أهالي المناطق مسيراتٍ شعبيةٍ حاشدةٍ حاملين الأعلام التركية واللبنانية في كل من صيدا، وتركمان البقاع، وطرابلس الوفيه، المنيه والضنيه وأهالي الكواشره وعيدمون وغيرها من المناطق.

وفي مواقع التواصل الاجتماعي أخذت هذه المواقع تتزين بهاشتاك #كلناعثمانيون، وتم تغيير صور البروفايلات وإحاطتها بالعلم التركي، والبعض الآخر أضاف صورة الرئيس أردوغان والسلطان عبد الحميد باعتبار أن المستهدف من التصريح هي تركيا والرئيس أردوغان سليل أبناء الدولة العثمانية وأبناء السلطان عبد الحميد، كما تم تداول الفيديوهات التي توثق كلام وأعمال السلطان عبد الحميد، وقام رجال الأعمال اللبنانيين المقيمين بتركيا بتوجيه رسائل إلى رئيس جمهورية لبنان بأنهم يقيمون بظروف أحسن وأجمل من لبنان ودعوه لعدم توتير العلاقات بين البلدين لأن تركيا تستقطب الجميع.

 

عن الكاتب

غولاي الأسعد

باحثة لبنانية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس