سعيد الحاج - TRT عربية

ما زال الزلزال الذي ضرب مدينة إسطنبول قبل أيام حديث الساعة في تركيا، فالزلزال الذي قُدِّرت درجته أولاً بـ 5.8 ثم عدلها مرصد “قنديللي” إلى 6.0 على مقياس ريختر، تسبب بالكثير من الخوف وبعض الأضرار.

لكن الأهم أنه ذكَّر الجميع بحقيقة أن المدينة الأكبر في البلاد ربما تنتظر زلزالاً آخر في المستقبل مع صعوبة تحديد متى بالضبط، فقد يحدث هذا غداً أو بعد عدة سنوات.

لم يكن هذا الزلزال الوحيد الذي شهدته تركيا مؤخراً، فقد سبقته عدة زلازل في عدة محافظات كما تبعته بعض الزلازل، إلا أنه كان الأقوى والأكبر منذ زلزال إزميت عام 1999، فضلاً عن حصول أكثر من 200 هزة ارتدادية بعده. فقد سُجلت خلال الزلزال الأخير حالتا وفاة بسبب نوبية قلبية، إضافة إلى 34 إصابة بسيطة، ووفق وزارة البيئة والتطوير العمراني، فقد تعرض 21 مبنى لأضرار فادحة و58 مبنى آخر لأضرار طفيفة.

ما زالت تركيا تتذكر بألم زلزال إزميت/كوجالي في 17 آب/أغسطس 1999 بدرجة 7.5 ريختر، والذي أدى لوفاة 17 ألفاً و488 مواطناً وإصابة 23 ألفاً و781، وانهيار 133 ألفاً و683 مبنى إضافة إلى تضرر 285 ألفاً و211 مبنى و42 ألفاً و902 مكان عمل، تاركاً أكثر من 600 ألف شخص بلا مأوى، وتأثر به بدرجة أو بأخرى 16 مليون مواطن في مختلف المحافظات.

ومنذ ذلك الحين، يُجمع الخبراء على أن منطقة مرمرة وتحديداً مدينة إسطنبول قد تكون على موعد مع زلزال كبير بهذا الحجم، يتخطى حاجز 7 ريختر، دون القدرة على تحديد موعده بالضبط. فالبروفيسور خلوق أوزنار، مدير مرصد “قنديللي”، ذكّر بهذا الاحتمال قبل أيام معقباً “للأسف لا نعرف متى، لكننا متأكدون أنه سيحصل، وأنه يقترب شيئاً فشيئاً مع مرور الوقت”.

ثمة خلاف علمي بين أهل الاختصاص حول ما إذا كان الزلزال الأخير من مقدمات الزلزال القادم المحتمل ومدى تأثيره عليه، تسريعاً أو تأجيلاً، لكن أغلبهم يميل لفكرة الفصل بينهما لا سيما وأن تأثير “تنفيس الطاقة” وبالتالي تخفيف خطر الزلزال المحتمل سيكون محدوداً جداً إن حصل.

ولأن كل وِحدة على مقياس ريختر تفوق سابقتها بعشرة أضعاف من حيث القوة و31 ضعفاً من حيث الطاقة المُطْلقة خلال الزلزال، وبالنظر إلى أن الأخير كان بقوة 6.0 والقادم المحتمل قد يصل إلى 7.5 ريختر، يمكن توقع أن الزلزال القادم اقوى من الزلزال الاخير أضعافاً مضاعفة، من حيث القوة والطاقة على حد سواء.

هذا الكلام ليس لبثّ الذعر وإنما لتوضيح الحقيقة والتوقعات العلمية من جهة، والتركيز على ما يمكن فعله من جهة أخرى.

كان زلزال 1999 حاسماً لجهة قوانين البناء وتراخيصها في تركيا بحيث يشترط في كل بناء بُني بعد هذا التاريخ مواصفات تتعلق بمقاومته للزلازل. ولذلك – نظرياً – تُعتبر كل الأبنية التي تلته أفضل من سابقاتها، وإن كانت بعض الجهات تقدر نسبة الأبنية المقاومة للزلازل في إسطنبول بـ%4 فقط. كما أن مؤسسات الدولة المختلفة تعمل ضمن وحدة تنسيق لرسم خطط الطوارئ وكيفية مواجهة أزمة ما بعد الزلزال في حال حصل. لكن كل هذا لا يلغي المسؤولية الفردية.

ثمة جهد كبير مبذول من مختلف المؤسسات التركية وفي مقدمتها الوزارات المختلفة وإدارة الكوارث والطوارئ AFAD لتوعية الناس بالزلزال وكيفية التعامل معه وفي مرحلة ما بعده، إلا أن الكثيرين من المقيمين العرب على الأراضي التركية لا يجيدون التركية أو لا يستطيعون الوصول إلى المعلومات الدقيقة والتعليمات الصحيحة الصادرة عن المؤسسات ذات الاختصاص والعلاقة، لذلك كان الحرص على تقديم بعض التنويهات المهمة هنا.

ينبغي أولاً التأكيد على أن احتمالية حصول زلزال كبير واردة جداً، مع احتمالية أن يكون ذا قدرة تدميرية مرتفعة إذ يتوقع أن يقترب من7 درجات على مقياس ريختر، وأن ظروف الساعات وربما الأيام الأولى بعده ستكون مختلفة جداً بحيث قد يحصل انقطاع في الكهرباء والاتصالات وبعض الخدمات الأخرى بما يصعّب من التواصل. ولذلك، فمن المهم الاهتمام بالمجالات التالية على أقل تقدير:

أولاً قبل الزلزال: الاستعداد للزلزال منذ الآن وكأنه سيحصل غداً وعلى كافة المستويات كما سيأتي تفصيله.

ثانياً: لحظة حصول الزلزال. التذكر بأن معظم الإصابات تقع بسبب الهلع وليس الزلزال نفسه، ولذلك ضرورة التحلي بالهدوء وعدم المسارعة للخروج من المنزل أو استخدام السلالم أو المصاعد الكهربائية، والاحتماء بمنطقة آمنة داخل المنزل بعيداً عن الأشياء الثقيلة محتملة الوقوع، وفي وضعية الجثوِّ على الركبة مع حماية الرأس والرقبة.

ثالثاً ما بعد الزلزال: ما بعد انتهاء الهزة، إحكام سدادات الكهرباء والغاز والماء وحمل “حقيبة الطوارئ” والتوجه لأقرب مكان تجمع في منطقة السكن أو العمل، التواصل مع الجهات المختصة في حال حدوث أضرار بالمنزل، انتظار توجيهات السلطات والمؤسسات المعنية.

رابعاً:من الأمور المهمة استعداداً للزلزال، التأكد من تماسك مبنى المنزل ومدى مقاومته للزلازل فضلاً عن مدى الخطر الذي يتهدد منطقة السكن ككل، ويتم ذلك عبر موقع وزارة البيئة. وفي حال كان هناك أضرار في المبنى أو مخاطر لتعرضه لأضرار كبيرة، ينبغي الإبلاغ عبر رقم الهاتف المخصص لذلك 181.

خامساً: تثقيف النفسوالعائلة والدائرة المحيطة فيما يتعلق بالزلزال وكيف ينبغي التصرف حينها، لا سيما وأنه يأتي بغتة وقد تكون العائلة متفرقة بين البيت والمنزل وأماكن أخرى.

سادساً:إعداد “حقيبة الطوارئ” منذ الآن، وهي حقيبة تنصح الجهات المختصة بإعدادها بحيث تكون جاهزة في حال حصول الزلزال احتياطاً للظروف الاستثنائية التي يمكن أن تعقبه، بما فيها انقطاع الكهرباء والماء والتواصل وتأخر وصول المساعدات. وينبغي أن تشمل الحقيبة ماء ومأكولات صغيرة الحجم مرتفعة السعرات الحرارية ومما لا يتلف بسرعة مثل المعلبات، إضافة إلى مبلغ من المال وبعض الأدوية المهمة ومستلزمات الإسعافات الأولية وبطاريات وجهاز راديو وفانوس وقداحة وصفارة للإخبار عن الموقع في حال انهيار المبنى، فضلاً عن بعض الملابس.

في المحصلة، فهناك احتمال كبير أن تتعرض إسطنبول ومنطقة مرمرة لزلزال كبير ومدمر لكن تحديد توقيته بدقة أمر متعذر. بيد أن الاستعداد له على كافة المستويات سيكون كفيلاً بتخفيض الأضرار والمخاطر المحتملة المترتبة عليه كثيراً، وهي مسؤوليات مؤسسية وفردية وجماعية في الآن ذاته.

عن الكاتب

سعيد الحاج

باحث في الشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس