د. علي حسين باكير - العرب القطرية

مع انطلاق العملية العسكرية التركية شمال شرق سوريا الأسبوع الماضي، سارعت العديد من الدول الأوروبية الى إدانة التحرك التركي، تصدرت فرنسا وألمانيا وبريطانيا المشهد، وعملت على حثّ الآخرين على انتقاد تركيا وإصدار بيان موحّد بهذا الشأن، والذهاب بالملف كذلك إلى مجلس الأمن والنظر في الإجراءات «العقوبات» التي من الممكن اتخاذها ضد أنقرة.

بالرغم من فشل هذه الدول في استصدار بيان موحّد في مجلس الأمن يدين العملية العسكرية التركية، بسبب معارضة كل من أميركا وروسيا، فإنها أصرّت على متابعة جهدها لزيادة الضغط على تركيا، الاتحاد الأوروبي طالب بوقف فوري للعمليات، وأعلن بشكل صريح وواضح ومباشر، أنه لن يدفع أي أموال لإقامة المنطقة الآمنة.

دول أوروبية عديدة استدعت السفير التركي لديها لإبلاغه احتجاجها، وبالرغم من أن بعضهم كان يعلن تفهمه للمخاوف الأمنية التركية، والبعض الآخر أرسل رسائل مزدوجة، فإن الإطار العام المعارض كان الغالب، فرنسا وألمانيا وهولندا والنرويج فرضت عقوبات على تركيا منعت بموجبها صادرات السلاح إلى أنقرة.

الموقف الأوروبي يعكس تناقضات ضخمة لا يمكن تبريرها على الإطلاق، في العام 2016، توصلت تركيا مع الاتحاد إلى اتفاق بشأن اللاجئين السوريين الموجودين داخل الأراضي التركية، يقضي بقيام دول الاتحاد بدفع حوالي 6.6 مليار يورو للمساعدة على دعم احتياجاتهم داخل تركيا، بدلاً من استقبالهم في الدول الأوروبية، الاتحاد لم يدفع سوى جزء من هذه المبالغ، ثم راح يتهرب من تسديد ما عليه من التزامات تحت مسوّغات مختلفة.

رفض الاتحاد العملية العسكرية التركية اليوم، يعني عملياً أن الدول الأوروبية لا تريد استقبال اللاجئين السوريين، ولا تريد نقلهم أو جزء منهم إلى داخل سوريا، ولا تريد أن تشاطر أعباء وتكاليف إبقائهم داخل تركيا، في هذا السياق، يبدو الموقف الأوروبي تعجيزياً في أحسن الأحوال ويتسم بنفاق شديد، ففي الوقت الذي يزعم فيه أنه قلق من تداعيات العملية العسكرية التركية، يتجاهل مصير ملايين اللاجئين والنازحين السوريين الذين يقعون تحت مسؤولية تركيا داخل أراضيها وفي المناطق التي تتواجد فيها في سوريا، مقابل الدفاع عن ميليشيات «واي بي جي» الكردية التي أنشأها ودعمها نظام الأسد في الأساس.

دول الاتحاد لا تضع ضغوطاً على نظام لأسد، ولم تفعل شيئاً يُذكر للدفاع عن الشعب السوري الذي كان ولا يزال يتعرض لأبشع المجازر الوحشية من نظام الأسد وحلفائه الروسي والإيراني، العديد من الدول الأوروبية التفّت على العقوبات التي فرضتها على نظام الأسد، لتقوم هي بالاستفادة من الحرب الدائرة في سوريا، بالأمس طالبت الولايات المتحدة الاتحاد الأوروبي بإدانة إرسال إيران سفينة النفط «أدريانا-1» إلى نظام الأسد، بعد أن كانت طهران قد تعهدت لبريطانيا بعدم إرسالها إلى سوريا مقابل الإفراج عنها، لكن الاتحاد مشغول بإدانة العملية العسكرية التركية، في مقابل موقفه شديد الليونة مع إيران.

الموقف الأوروبي لا يمكن تفهّمه، لأنه يتناقض كذلك مع موقف حلف شمال الأطلسي، ففي حين أدلى أمين عام الحلف بتصريحات داعمة لتركيا، قامت العديد من دوله -كفرنسا وألمانيا وهولندا- بتعليق أو وقف صادرات السلاح إلى تركيا، وبالرغم من أن البعض يعتقد أن هذا القرار هو للاستهلاك المحلي، وأنه سينتهي بمجرد انتهاء العمليات، فإن ذلك -وإن صحّ لاحقاً- لا يبرر الموقف الحالي من العملية العسكرية، على دول الاتحاد أن تتخلى عن المعايير المزدوجة، وأن تتحلى بالمسؤولية، وأن تشاطر تركيا في تحمل أعباء الملف السوري، وإلا فإنها قد تكون واقعاً أسوأ ما لم تأخذ بالخيار الواقعي.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس