د. علي حسين باكير - العرب القطرية

بخلاف ما يعتقده كثيرون، لم تؤيّد روسيا عملية «نبع السلام» التركية في شمال سوريا، لكنها في المقابل لم تعارضها أيضاً بالشكل الذي كان عليه الموقف الأميركي أو الأوروبي أو الإيراني، فضّلت موسكو اتخاذ وضعية الانتظار والترقب لمتابعة ما سيسفر عنه التحرك التركي، فإذا نجحت العملية العسكرية فإنها ستبعد القوات الأميركية من شمال سوريا، وتجعل ميليشيات «واي بي جي» الكردية في وضعية أضعف مما يسهّل دوراً روسياً للتوصل إلى اتفاق بينها وبين نظام الأسد، وإذا فشلت العملية تكون قد قوّضت من وضعية تركيا، وهذا أيضاً يفيد الجانب الروسي.

خلال الأيام الثمانية الأولى، تبيّن أن السيناريو الأول هو الأقرب إلى التحقق، ولذلك سارعت موسكو إلى تهيئة الأرضية المناسبة للتوصل إلى اتفاق بين الميليشيات الكردية ونظام الأسد، ثم أتبعت ذلك بإرسال رسائل تفيد باعتراضها على العملية، وضرورة خروج القوات الأجنبية من البلاد واستلام نظام الأسد للحدود، وذلك وفق ترتيبات تعتمد على بروتوكول أضنة لعام 1998، تركيا كانت ترسم حدود المنطقة الآمنة نظرياً من منبج إلى أقصى شمال شرق سوريا، لكن المفاجأة أن الأميركيين الذين كانوا في منبج وعين العرب فضّلوا سقوطهما في دائرة النفوذ الروسي على إعطائهما لتركيا، فقد انسحبوا من المدينتين بشكل عشوائي مما أوحى بأنها تأتي ضمن اتفاق ضمني أو أن المقصود هو الإضرار بتركيا، وإن كان التصرف في عين العرب مفهوماً ربما نظراً لوجود غالبية كردية، إلا أن مدينة منبج على سبيل المثال هي مدينة عربية، وبالتالي فإن وضعها تحت نفوذ روسيا أو الأسد يعني أن الجانب التركي قد خسرها حالياً، وأنه لا مجال لاسترجاعها من دون تفاوض مع روسيا. علاوة على ذلك، فإن انقضاء المهلة المحددة لتعليق عملية «نبع السلام» اليوم، يجعل من لقاء أردوغان-بوتن عاملاً من عوامل رسم معالم المرحلة المقبلة فيما يتعلق بمصير المنطقة الآمنة وحدودها، هل سيعيد بوتن منبج لتركيا؟ هل سينشر قوات روسية على الحدود مع تركيا في عين العرب بعد دخول النظام السوري إليها؟ هل ستوافق روسيا على نقل منبج إلى المنطقة الآمنة التركية؟ هل ستستأنف أنقرة عمليتها العسكرية إذا لم تنجح الإدارة الأميركية في فرض الاتفاق الذي توصلت إليه مع أنقرة على الميليشيات الكردية، من دون الاصطدام مع الأسد؟ ماذا عن مصير إدلب؟ كل هذه الأسئلة وغيرها ستكون من دون شك مرتبطة بما سيتمخض عنه الاجتماع بين أردوغان وبوتن، لكن يتم طرح حلول شمولية بالتأكيد، فالعمل في سوريا جارٍ على القطعة، لكن من دون شك سيكون الاجتماع مهماً من ناحية وضع النقاط على الحروف.

روسيا يهمها الحفاظ على علاقة وثيقة مع جميع اللاعبين، لا سيما تركيا وإيران وإسرائيل، لا شك أنها تأخذ بعين الاعتبار أن تركيا هي أكبر جيران سوريا، وربما تكون الدولة الأكثر تأثيراً لاحقاً في مستقبل سوريا، من هذا المنطلق، فإن تفاهمها مع أنقرة من شأنه كذلك أن يضمن وضعاً مستقراً لروسيا في سوريا، فطالما أن موسكو بحاجة إلى اللاعب التركي لكي تضمن سير العملية السياسية، فلا شك أنها لن تعترض بالشكل الذي يعرقل عمل أنقرة، لكن في مكان ما، عندما تشعر روسيا أن حاجتها إلى تركيا بدأت تقلّ، وأن مكاسب أنقرة بدأت تتعاظم بحيث من الممكن أن تقوّض الدور الروسي أو تعرقله بشكل قوي، عندها من الممكن أن يبدأ النكاف الروسي-التركي.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس