محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس

عقدت في العاصمة التركية أنقرة وفي مركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام) يوم الثلاثاء الموافق 5 نوفمبر/ تشرين الثاني ندوة ضمّت عددًا من الباحثين، وهم الدكتور علي باكير الباحث في الشأن الاستراتيجي وهو من لبنان، وكذلك الدكتور حمزة شريف العراقي، والدكتور مصطفى يتيم التركي، والدكتور حسام بوتاني العراقي، وقد أدارها الدكتور والباحث التركي بلكاي دومان من مركز أورسام.

بداية ينبغي القول إنه بالرغم من وجود جملة من الخصوصيات والاختلافات الجوهرية بين العراق ولبنان، سواء فيما يخص طريقة إدارة الدولة استنادًا إلى الدستور أو مسألة تراكم السلبيات والإخفاقات التي أدت إلى انفجار الاحتجاجات في البلدين، ورغم ذلك فإن السبب الرئيسي في نشوء الامتعاض المتراكم وغير المستساغ واللامنتهي هو التدخل الإيراني السافر في شؤون البلدين بصورة عامة ومباشرة من خلال بعض الأحزاب والقيادات والشخصيات.

ففي لبنان مثلًا حيث لا توجد أرضية دستورية تحتم التوزيع المذهبي للمناصب الحكومية، ابتداءً بمنصب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب والوزراء، وما يتبع تلك التوزيعات من تكتلات مستديمة في الهيئات والوزارات، كل تلك الاستحقاقات كانت أشبه بالعرف السائد والمعمول به رغم أن الدستور يؤكد على أهمية تجاوزها بل ويحث على تجاوزها في الديباجة إذ ينص على أن إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية، فقد كانت تلك الأعراف التي سادت بفترة ما تهدف لمنع تعثر العملية السياسية.

منذ اتفاق الطائف وما تلاه من أحداث وأهمها أحداث 2005 فقد تغيرت وضعية مراكز القوى بحيث أثرث بشكل مباشر على التوافقات التي من شأنها تيسير عجلة التسليم الرسمي للمواقع القيادية عند تشكيل الحكومات أو تسمية المرشح المستحق للمنصب.

كما الحال في العراق كانت وما زالت معضلة تسمية المرشح التوافقي هي إحدى أكبر العقبات في العهد الذي تلا الاحتلال الأمريكي للعراق بسبب قوة التدخلات الخارجية، وبالأخص الأمريكية والإيرانية وكذلك عند تسمية  تسمية الوزراء والسفراء.

في لبنان التوزيع المذهبي للسلطات عبارة عن توافقات طائفية كانت قد أبرمت على شكل اتفاقات وتفاهمات بين زعماء الأحزاب والطوائف بعد تعثر العملية السياسية في نهاية فترة الرئيس كميل شمعون عام 1958.

في العراق ورغم أن الدستور لا ينص على التقسيم الطائفي والمذهبي للسلطات إلا أن بعض فقرات قانون الانتخاب تحتم الركون إلى عملية توافقية بين الكتل. هذا إذا استثنينا التدخل الإيراني والأمريكي عند تسمية مرشحي الرئاسات الثلاثة.

إذن من خلال ذلك نقرأ أن الدستور في البلدين يحتم تجاوز مسألة الطائفية والمذهبية، لكن هناك معرقلات مؤقتة تمنع تطبيق الدستور، مع العلم أن تلك المعرقلات بقدر ما تحول دون تطبيق الدستور بصورة مثالية فإنها أيضًا تكبل كل القرارات الصادرة من رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء والوزراء ومجلس النواب وحتى قرارات المؤسسة العسكرية.

ورغم ذلك كانت لبنان وإلى أمد غير بعيد تستطيع أن تتجاوز معظم السلبيات التي أسست سابقا من قبل الزعماء السياسين في طريقة إدارة الحكم والانتخاب، لكن الذي حدث هو بروز حزب الله المدعوم من إيران والمتحالف مع سوريا المتهم الرئيسي بتنفيذ اغتيال الرئيس الحريري كقوة أثرت بصورة سلبية على موازين القوى وخصوصًا بعد الحرب غير المتكافئة التي شنتها إسرائيل ضد لبنان بعد أسر الجنديين الإسرائليليين من قبل حزب الله وظهور حزب الله كجهة وحيدة محاربة.

في العراق وكما في لبنان  فإن هتافات المحتجين قد تعالت ضد التدخل الإيراني، وكانت الغالبية العظمى من المحتجين وغير المحتجين يرون إيران جزءًا رئيسيًا من المشكلة القائمة، ولن تكون في يوم ما جزءًا من الحل مطلقًا.

أشير خلال الندوة إلى أن الأسباب الرئيسية للاحتجاجات في البلدين تتمثل في:

أولًا: الفساد، بنوعيه الإداري والمالي، الذي يشترك به زعماء الأحزاب والكتل والوزراء ونواب البرلمان وأعضاء مجالس المحافظات، ومن الضروري تسمية ما يندرج تحت هذا النوع  من الإجرام المخل بالشرف دون رتوش مثل السرقة واللصوصية السياسية، لأن لبنان تصنّف كأكثر الدول فسادًا في العالم في الترتيب 123 من أصل 137، وكذا الحال بالنسبة للعراق الذي يحتل أيضًا المراتب الأخيرة بين الدول الأكثر فسادًا في العالم.

ثانيًا: الطائفية المقيتة والهدامة للأواصر الوطنية والاجتماعية، في العراق كانت وما زالت الوسيلة الوحيدة لإيجاد جماعات داعمة للأحزاب التي ركبت الدبابة الأمريكية ودخلت بغداد لافتقارها لأي قاعدة جماهيرية، وما زالت تلك الأحزاب تسعى لاستقطاب جماهير بصفوفها استنادًا إلى اللعب بوتر الطائفية، ومن الجدير بالقول إن إيران كانت داعمة حقيقية للأحزاب التي رفعت راية الطائفية منذ بداية الاحتلال.

في لبنان برز حزب الله أيضًا بعد الدعم الكبير له من قبل إيران التي روجت لأيديولوجيتها بصورة مباشرة ولإيران بصورة غير مباشرة. إن الإمكانات الهائلة لحزب الله والتي فاقت قدرات الدولة في تجهيزاتها العسكرية وأسلحتها، وكذلك في الأمور الاقتصادية، حيث تمكن من توفير الآلاف من الوظائف للعاطلين عن العمل سنويًا، وهو أمر لا تقدر عليه أجهزة الدولة اللبنانية.

ثالثًا: المحاصصة أو ما يعرف بتوزيع التركات والمناصب، وهذه نتيجة مباشرة للاصطفاف الطائفي والمذهبي والقومي والحزبي، وتكون مقدار الهيمنة على الدرجات الفرعية في أشدها، وتستغل كمكسب استحقاقي كحصة منفعية مالية ومعنوية وسلطوية. والدولتان مبتليتان بتلك الآفة وعلى درجات متفاوتة ولكن مختلفة في المنهج، ففي لبنان هذه الآفة متأصلة ومن الصعوبة تجاوزها، أما في العراق فهي مكتسبة وربما ستكون من الماضي في حال التخلص من القيادات الحزبية الطارئة على المجتمع العراقي.

رابعًا: سوء الخدمات.

تقع لبنان في مركز متأخر عالميًا من حيث توزيع الخدمات لمواطنيها، وهو 124 من أصل 134، والحال أيضًا في العراق لا يختلف كثيرًا رغم أن العراق يمتلك إمكانات اقتصادية كبيرة جدًا بالمقارنة مع لبنان، ولكن سلسلة الحروب التي خاضتها بغداد جعلت العراق أيضًا في المراتب الأخيرة بالإضافة إلى الفساد الإداري المستشري.

إن أي ضعف واضح في مستوى الخدمات التي تقدمها الدولة لمواطنيها مؤشر حقيقي على ضعف في إدارة الدولة، ودليل على وجود الرجل غير المناسب في المكان المناسب، وهذا ناتج عن الفساد الإداري والتقسيم الطائفي والحصص الحزبية والمذهبية.

يضاف إلى تلك العوامل التي أججت الشارع في البلدين عامل آخر مهم في لبنان تحديدًا، وهو الغلاء الفاحش واللامعقول للسلع وللخدمات كافة، مع وجود ضعف في الأداء الخدمي وكما أسلفنا، ذلك الغلاء الذي يفوق طاقة الغالبية العظمى من اللبنانيين الذين لا يستطيعون تسديد فواتير الكهرباء ودفع أجور النقل، وانعدام التأمين الصحي والاجتماعي.

في الختام، لا تبدو هناك آمال كبيرة معقودة على الاحتجاجات في لبنان، وربما تكون في أحسن حالاتها عدة قرارات إصلاحية تخديرية، لأن كل قرار تغييري سيصطدم بقلاع التخندقات المذهبية والطائفية الباحثة عن مصالحها وهي التي تتحكم باقتصاد لبنان.

في العراق المسألة تختلف جوهريًا لأن كل القيادات التي تتزعم الأحزاب ليس لها أي أتباع عقائديين بل مجموعة من النفعيين، وهولاء القادة سيزالون مع أول نبذ للطائفية من قبل الشعب وستزول معهم المحاصصة والفساد المالي والإداري وتتوقف عمليات السطو على الاقتصاد لأن الذي جاء بهم إلى سدة الحكم اشترط عليهم القيام بالهدم والسرقة.

وسيكون هناك حديث آخر في حال مواصلة المحتجين احتجاجاتهم لأن الدولة ستعجز تماما أمام الاعتصامات والعصيان المدني، وبعد ما تعالت الأصوات المنددة بسبب أستخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين العزل.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس