إبراهيم قاراغول - صحيفة يني شفق

أعتقد أن أكثر بلاد المنطقة اضطرابا ليست العراق أو سوريا، وإنما المملكة العربية السعودية! فالبعض يطبق استراتيجية تسعى لنشر الفوضى في هذا البلد، وكل يوم تزداد خطرا!

تعيش سوريا والعراق فوضى حقيقية؛ هاتان الدولتان راحتا ضحية القوى العظمى التي تصفي حساباتها عن طريقهم، وبهذه النقطة يشترك قدرهما.

أرى أن المسافة الممتدة من حدود إيران إلى البحر الأبيض المتوسط لن تبقى على ما هي عليه، فقد تحولت كل من سوريا والعراق إلى جبهة للصراع العربي الإيراني.

حدود العالم العربي تتغير

لقد كانت حدود الوطن العربي الشرقية هي حدود إيران، ولكنها تغيرت عام 1991 في حرب الخليج. وفي عام 2003 خضعت العراق بشكل كلي للاحتلال الإيراني، وتراجعت حدود العالم العربي من حدود إيران والعراق إلى الحدود السورية العراقية. 

ورغم أن الحكم في بلاد الشام أيضا كان يقع تحت تحكم إيران، إلا أن الحدود بقيت كذلك. وقد كان هناك في الفترة الأخيرة حملات قوية تسعى لكسر تأثير إيران على سوريا، وكانت فعالة بشكل نسبي، ولكن فجأة ظهرت الحرب في سوريا، والهدف هو إسقاط نظام البعث، وإيقاف التأثير الإيراني الممتد حتى البحر المتوسط.

للأسف، لم يستمر موقف الغرب الذي كان يدعم الثورة، فلم تتحقق أهدافها. ولم يعطوا المعارضة الدعم اللازم، وزادت قوة إيران في سوريا، وزاد تأثيرها، وبدل أن يكسر تأثيرها، فإنه على العكس أصبحت إيران تحكم سوريا، وفازت إيران من جديد في الجبهة الثانية للحرب العربية الإيرانية.

وإن أخذنا بعين الاعتبار أن إيران تملك نفوذا واسعا في لبنان أيضا، فيمكن القول إنها سجلت تقدما كبيرا حتى منطقة البحر المتوسط. وإذا دققتم النظر فسترون أن الجيوش العراقية وجيش الأسد يقودهم قادة إيرانيون. وفي جنوب لبنان أيضا تتواجد إيران، وفي منطقة تصفية الحسابات "الإسرائيلية- السورية" في الجولان أيضا تتواجد إيران.

بإمكان دول الخليج أن تتدخل

لقد قدمت السعودية أكبر دعم عام 1991 في حرب الخليج وعام 2003 في احتلال العراق، ودفعت التكاليف الثقيلة لهذه الحروب، وكانت هي الممول الأكبر لحرب العراق وإيران من قبل. ولكن في النهاية كانت هي الخاسرة، فقد خسرت العراق تماما. والآن في حرب سوريا، نجد أن السعودية هي أحد أكبر وأهم المؤثرين. وإن استمر الوضع هكذا فستعيش السعودية نفس ما عاشته من قبل في العراق.

ولكن هناك جبهة أخرى.. إنها اليمن؛ فهناك أيضا حارب النظام اليمني الحوثيين لسنوات طوال، وقد تدخلت السعودية في الحرب بشكل فعلي، وحاولت إيقاف الحوثيين. ولكن حدث العكس؛ فقد تمكن الحوثيون المدعومون من إيران من السيطرة على الحكم في اليمن، فهزمت إيران السعودية في هذه المنطقة أيضا، وسيطرت على أهم وأكبر الحاميات في البحر الأحمر.

وفي البحرين تواصل السعودية مقاومتها؛ حيث إن الحملة القادمة ستكون في هذه المنطقة، ومن المحتمل أن تعم الفوضى في الخليج، وسيتأثر مجلس التعاون الخليجي وقواتهم المشتركة بشكل كبير. لقد تمكنت السعودية من إخماد ثورة الشيعة في بلدها، ولكننا لا نعلم كم ستستمر في المقاومة.

الحرب الداخلية السعودية

هذه الحروب في المنطقة سيمتد نفوذها إلى الداخل السعودي قريبا. والأقلية الشيعية التي تعيش في الخليج منذ فترة طويلة في حالة حركة مستمرة. والهزة الإقليمية قد تدفعهم إلى العصيان، وحينها سيتحول الأمر إلى حرب أهلية في السعودية.

لقد انهزمت السعودية أمام إيران في اليمن، وبدأ الزحف الإيراني يتقدم نحو قلب الوطن العربي، وهذه هي النقطة التي وصلت إليها الحرب العربية- الإيرانية حاليا.

لكل حرب أهلية أو احتلال ديناميكية أخرى؛ فمثلاً: احتلال العراق كان سببه صدام حسين، ولكنه احتلال أمريكي.. هذه الأمور تحتاج لدقة نظر عالية لرؤيتها.

ولأجل هذا، فهم يحتاجون إلى هويات في الحروب؛ هذه الهويات في منطقتنا هي المذاهب، ولم تتردد الدول في المنطقة في استخدام هذه الهويات!

وقد تم التحكم بالحرب في العراق بعد الاحتلال عن طريق المذاهب، والآن يحصل الأمر نفسه في سوريا، وقد حدث الأمر نفسه في اليمن، ولبنان هي في الأصل تعيش على هذا الحال دائما، ويتم سحب دول الخليج إلى هذه التفرقة المذهبية. والدولة الوحيدة غير الشيعية التي تدعمها إيران هي فلسطين، وما عدا ذلك فإن خريطة القوة الإيرانية مقسمة بحسب المذاهب.

العمى الاستراتيجي في نظام السعودية

النظام السعودي ارتكب خطأ فادحا حين أعلن "الإخوان" المؤثرين جدا في المنطقة ما بين السودان وسوريا جماعة إرهابية، وخطرا من الدرجة الأولى، ودخل صراعا معهم جعله يدعم الانقلاب في مصر.

ولكنه حين فعل هذا ظهرت نقاط ضعفه، وازداد ضعفه وخلف فراغا كبيرا، فاستفادت إيران من هذا الخطأ الاستراتيجي الذي أعمى النظام السعودي، فبدأت بملء الفراغ، فتحول صراعهم مع "الإخوان" إلى صراع للمنطقة كلها مع إيران.

هذه مجرد احتمالات، ولكن إذا انتصرت إيران في سوريا، فأول من سيخسر سيكون دول الخليج وبالذات السعودية، إذ إن الهدف الوحيد الذي سيتبقى هو السعودية.

إيران الإمبريالية

أنا لا أكتب هذا حبا في السعودية أو بغضا في إيران.. أنا ألتقط صورة للمنطقة، فإن قبلتم أو لم تقبلوا فإن هذا هو الموقف، وإيران تسعى للانتفاع من كل الفوضى في المنطقة، وتسعى لتحويلها إلى نصر لها. وقد وصلت هذه الانتصارات إلى نقطة جعلت إيران تُرى على أنها خطر إقليمي، وظهرت حقيقة إيران الإمبريالية، التي لا تهتم بحساسيات جيرانها. 

حسنا.. في كل هذا، ما هو موقع تركيا؟ أعلم أن تركيا تدرك كل هذا التغير والتحزب والتفرق في المنطقة. وأؤمن بأنها ستكون عقبة في طريق انتشار الفوضى في المنطقة، ولهذا فإنه يمكنني القول إن تركيا ستزداد نشاطا وحركة في المنطقة في المستقبل القريب.

عن الكاتب

إبراهيم قاراغول

كاتب تركي - رئيس تحرير صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس