محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس

قد تبدو الأوضاع السياسية في ليبيا مطمئنة حيث يتصاعد تأثير العلاقات المتميزة والاستراتيجية بينها وبين تركيا وخصوصا بعد التوقيع على الاتفاق الأمني وبروتوكول الاتفاق البحري بين البلدين.

ومن المؤكد أن تلك الاتفاقية التي تبعث على الاطمئنان والاستقرار قد تبدو في نظر الشعب الليبي أقوى الحلقات التي تدعم العلاقات التركية الليبية في الوقت الحاضر مضافة إلى سلسلة الحلقات والوقفات التاريخية بين البلدين منذ القرن الخامس عشر الميلادي عندما حرر العثمانيون ليبيا من الاستعمار الإسباني.

يعرف عن الحكومة التركية أنها براغماتية إيجابية تضع أمام نصب عينيها مصلحة الطرف الآخر في كل الاتفاقيات مثلما تبحث عن مصلحتها وهذه الميزة التي يتميز بها الأتراك جعلت الكثير من الدول تخطو الخطوات تباعا لغرض دعم الاتجاه الذي يقود إلى مزيد من الفعاليات المشتركة بينها وبين تركيا.

ومما يميز أيضا العلاقات التركية أنها تتبع دوما مبدأ الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والوقوف جنبا إلى جنب مع مصلحة الدول التي تقيم علاقات معها.

فمع ليبيا التي كانت وتيرة العلاقات الثنائية معها عالية جدا وحميمية منذ مئات السنين رغم تغيير أنظمة الحكم في الدولتين طيلة تلك الفترة، حيث تتصدر العلاقات الثنائية بينهما كل العلاقات الأخرى والتي تقيمها الدولتان.

ولغرض تسليط الضوء بصورة موسعة على العلاقات التركية الليبية والاتفاق حول المياه الاقتصادية بين البلدين، ألقى الدكتور أمر الله إيشلر المبعوث التركي الخاص إلى ليبيا والنائب في البرلمان التركي محاضرة بعنوان (الأزمة الليبية والعلاقات التركية الليبية) في مركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام) بالعاصمة أنقرة اليوم الخميس وبحضور الكثير من الباحثين والإعلاميين والدبلوماسين من الممثليات الأجنبية في العاصمة أنقرة، حيث سلط الضوء على تاريخ العلاقات التركية مع دول شمال أفريقيا بشكل عام والعلاقات التركية الليبية بشكل خاص وعن الدور التاريخي المسؤول والمشرف للدولة العثمانية في نجدة إخوانهم الليبين للتحرر من الاستعمار الإسباني.

كما تطرق أيضا إلى العلاقات الثنائية بين البلدين في بداية إنشاء الدولتين في أوائل القرن الماضي والتي سبقتها قيام المجاهدين الأتراك بنصرة إخوانهم الليبين للدفاع عن حرية ليبيا ضد المستعمرين الطليان.

وفي معرض حديثه تطرق إلى وقوف تركيا مع الحكومة الشرعية الليبية برئاسة السراج والمعترف بها من قبل دول العالم والمنظمة الدولية حيث أكد استعداد لتركيا للوقوف إلى جانب الحكومة الشرعية المعترف بها ضد الفصائل التي تحاول تنفيذ أجندات دول لا ترغب في استقرار ليبيا، كما أن تركيا تحاول من خلال دعمها للشرعية إلى استباب الأمن والاستقرار حتى تتحول ليبيا من مرحلة حرب الاستقرار والمحافظة على الشرعية إلى حرب البناء وإعادة الإعمار.

ومن هنا وفي سبيل تحقيق الاستقرار السياسي والأمني في ليبيا وقعت تركيا وليبيا إلى مذكرتي تفاهم تتعلق الأولى بالتعاون العسكري والأمني بينما تتعلق الثانية بالاتفاقية حول المنطقة البحرية الاقتصادية والحقوق المكتسبة جراء تنفيذ هذه الاتفاقية في البحر المتوسط لصالح الدولتين.

إن الاتفاقية حول المنطقة البحرية كانت ضرورية جدا ولمصلحة عدة دول ومنها ليبيا وشمال قبرص ومصر أيضا إضافة لتركيا بعدما حاولت سلطة قبرص اليونانية واليونان من استغلال انشغال ليبيا بالتصرف في حقوقها في المياه الإقليمية والاقتصادية لليبيا بعد اتفاق غير شرعي مع كل من إسرائيل ومصر لذات الغرض، ولذا فإن الاتفاقية البحرية التركية الليبية قد قطعت الطريق لليونانين الذين يحلمون بتحويل شرق المتوسط إلى بحر يوناني، كما أن تلك الاتفاقية أعادت حقوق كل من تركيا ومصر وليبيا في البحر المتوسط.

ومن المؤكد أن بعض الدول يصيبها الهلوسة إزاء أية خطوة تقوم بها تركيا في أي منطقة وخصوصا في الشرق الأوسط والخارطة الجغرافية القريبة من تركيا الإقليمية والتي كانت مرتعا للتدخلات المخابراتية والعسكرية للكثير من الدول - بالرغم من أن التدخل التركي سيصب في صالح تلك الدولة وصالح استقرارها السياسي وكذلك المنفعة المتبادلة جراءها وكما حدث مع رد الفعل للاتفاقية البحرية التركية الليبية حيث تعالت أصوات بعض الدول المخدوعة باتفاقية بينها وبين قبرص الرومية - فمصر مثلا كانت قد وقعت على اتفاقية مع قبرص الرومية حول المياه البحرية وقد خسرت جراء تلك الاتفاقية مئات الكيلومترات المربعة البحرية من حقها الطبيعي، في هذه الاتفاقية عادت تلك الحقوق إليها وأدركت تلك مؤخرا حيث كانت من ضمن الأصوات التي استهجنت الاتفاقية وشجبتها.

واستطرد السيد أمرالله أيشلر حيث أكد أن تركيا مستعدة مع كافة الدول المطلة على شرق البحر المتوسط لتثبت حقوقها في المياه البحرية ما عدا قبرص الرومية، سواء كانت اتفاقات فردية أو جماعية تضم كل تلك الأطراف.

وفي العودة للوضع الليبي أكد المبعوث التركي بأن تركيا ليست مع الحل العسكري للنزاع الليبي وأن المسألة يجب حلها سياسيا عن طريق الحوار، وأن وقوفها مع الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا برئاسة فايز السراج، وأن انتقاد بلاده للانقلابي حفتر هو بسبب تصرفاته كرئيس عصابة ومافيا حيث يقود هجمات تصل إلى حد الإرهاب وقد ارتكب جرائم ضد الإنسانية بقصفه للمدنيين.

 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس