محمد بارلاص – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

قام 74 عضو من مجلس الشيوخ الأمريكي بالتوقيع على رسالة تتهم فيها تركيا بانتهاك حرية الصحافة، وسلموا هذا المكتوب لوزير الخارجية كيري، وعلينا هنا تشكر أولائك الساسة الأمريكيون الذين يراقبون مسلكنا ومهنتنا في تركيا من واشنطن.

هذا الأمر ليس جديدا، ففي الماضي كان الصحفيون الذين يصمتون عن الانقلابات العسكرية التي تحدث في تركيا بدعم من أمريكا، كانوا دوما يجدون سندا لهم من مجلس الشيوخ الأمريكي.

أعتقد أنّ من الأفضل لنا أنْ نتخذ دروسا وعبرا من أسلوب وتصرف الساسة الأمريكيين بدلا من أنْ نغضب منهم ومن تصرفاتهم، فماذا لو قامت مجموعة من أعضاء البرلمان التركي بالتوقيع على مذكرة تنشر فيها معلومات ووثائق سرية حول الولايات المتحدة الأمريكية وتسليمها لوزارة الخارجية التركية؟ وماذا لو قامت مجموعة أخرى من أعضاء البرلمان التركي بالتوقيع على رسالة تتحدث فيها وتنتقد فيها أحداث فيرغسون، والعنف الممارس في أمريكا ضد السود، ليسلموا لاحقا هذه الرسالة لوزارة الخارجية التركية؟

دعونا نشعر بالقلق أيضا

لو قام بعض الساسة الأتراك بالتوقيع على مذكرة أو رسالة ينتقدون فيها المشاكل والعنف الذي يتعرض له السود في الولايات المتحدة الأمريكية، فكيف كان سيكون رد الصحافة الأمريكية على ذلك؟ هل كانت صحيفة "نيويورك تايمز" ستعنون ذلك بالعنوان الأبرز على صدر صحيفتها كما فعلت صحيفة "زمان" التركية عندما عنونت خبر رسالة مجلس الشيوخ على صفحتها الرئيسية؟

للأسف، ليست العلاقات بين الدول هي وحدها من تسير في اتجاه واحد، فحتى علاقة الصحافة والصحفيين والإعلام ككل بين الدول يسير في اتجاه واحد، فعلى سبيل المثال، عندما فجرت القاعدة برجي نيويورك وقتلت 4000 مدني قامت الدنيا كلها ولم تقعد.

لكن وبعد هذا الهجوم قامت أمريكا ممثلة بميليشياتها المسلحة باحتلال أفغانستان وتدمير العراق متسببة بمقتل الملايين من المدنيين، وحينها تابع العالم كل تلك الجرائم بصمت مطبق، لدرجة أنّ أخ الرئيس الأمريكي الأسبق بوش، "جيب بوش" يملك من الشجاعة ما مكنه من أنْ يُعلن مؤخرا عن عزمه خوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016.

لا يهمهم أمرنا على الإطلاق

لم يشعر مجلس الشيوخ الأمريكي بأي قلق تجاه المآسي والكوارث التي تحدث في سوريا، ولم يكتب أي مكتوب حول الحرب الداخلية المدمرة في ليبيا، أما تحويل غزة لمخيم وسجن كبير، والانقلاب على الإخوان المسلمين وعلى الديمقراطية في مصر، فلم يحرّك أقلامهم ولا ضمائرهم على الإطلاق.

في المحصلة هم ليسوا سعداء لأنهم يتابعون ويراقبون الأوضاع في تركيا ويريدون مصلحتنا أو مصلحة صحافتنا، وإنما هم سعداء لأننا أويلنا مكتوبهم ومذكرتهم تلك اهتماما لا تستحقه، ونحن علينا أنْ لا نكون مثلهم، وعلينا أنْ نعبّر بكل صدق وجدية عن قلقنا الشديد حيال التطورات والأحداث السلبية التي تحصل في الولايات المتحدة الأمريكية، وعلينا كتابة رسالة ومذكرة وتوقيعها لنعبر من خلالها عن رفضنا لتلك التصرفات تجاه السود وغيرهم.

عن الكاتب

محمد بارلاص

كاتب وصحفي تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس