ترك برس

تمتلك الدولة الجزائرية  أكثر من 18 ألف مسجد ومنها 233 مسجدًا أثريًا بُنيت في عصور إسلامية مختلفة، إلا أن "مسجد كتشاوة العثماني" أشهر المساجد الجزائرية ويحظى بمكانة خاصة في قلوب الجزائريين، وبخاصة سكان مدينة القصبة عاصمة الحكام العثمانيين في الجزائر (1517 1830).

بني هذا المسجد بأمر من أكبر قادة الاساطيل البحرية العثمانية "خير الدين بربروس " وقد بني هذا المسجد في قلب العاصمة الجزائرية  في العهد العثماني من قبل أحد أكبر قادة الأساطيل العثمانية ووالي الجزائر آنذاك "خير الدين بربروس باشا "عام 1520.  ليتميز المسجد بهندسة معمارية اسلامية بطابع عثماني خالص، إلا أن الباي حسن أحد الحكام العثمانيين الذين تعاقبوا على حكم الجزائر، لم تعجبه الهندسة المتواضعة للمسجد فقرر توسيعه وزخرفته ليكون في أبهى حلة، وانتهت عملية التوسيع الضخمة سنة 1792، وكان آية في الجمال بمآذنه وصومعته وأعمدته المرمرية وفسيفسائه ونقوشه البديعة وقد أُطلق عليه آنذاك اسم "مسجد كتشاوة".

وأثناءلاحتلال الفرنسي للجزائرقررت الإدارة الاستعمارية سنة 1832 بتحويل مسجد كتشاوة إلى كاتدرائية ليقوم الجنرال الدوق دو روفيغو القائد الأعلى للقوات الفرنسية ـ الذي كان تحت إمرة قائد الحملة الفرنسية الاستعمارية "دوبونياك" بإخراج آلاف المصاحف من المسجد إلى الساحة المجاورة (والمسماة بساحة العنزة)وتمزيق وإحراق جميع المصاحف على الملأ، وقد شبَّه بعض المؤرخين  هذه الجريمة الشنعاء بجريمة هولاكو الذي أحرق مكتبة بغداد إثر احتلالها في القرن الثالث عشر ميلادي، وأدى هذا الفعل إلى اعتصام أكثر من أربعة آلاف مصل جزائري داخل مسجد كتشاوة ومنع تحويله إلى كاتدرائية ، لكن المستعمِر قام بمحاصرة المسجد واخرج المصلين عنوة إلى الساحة المجاورة وتم ابادتهم جميعاً رميا برصاص فكانت المجزرة إحدى أفظع الجرائم الاستعمارية الفرنسية بحق الجزائريين ، وبعد هذه الحادثة حول المسجد كتشاوة إلى كاتدرائية في نوفمبر 1832 أزيل عنه إشارة الهلال ورفعت بدلها العديد من الصلبان على جوانب المسجد وأسمته كاتدرائية القديس "سانتا فيليب "كما أُدخلت تغييراتٍ عديدة على واجهته لينسجم مع طابع البناءات الكنسية، فأزيلت بذلت عدة معالم ذات الخصوصية الإسلامية ،» وقال قائدُ الحملة الاستعمارية الفرنسية آنذاك: الآن انتصر الصليب على الهلال؛ فلأول مرة يثبت الصليب في بلاد الأمازيغ». ليصلي المسيحيون فيه أول صلاة مسيحية ليلة عيد الميلاد 24 ديسمبر 1832 م، فبعثت الملكة "إميلي زوجة لويس فيليب" هداياها الثمينة للكنيسة الجديدة، أما الملك فأرسل الستائر الفاخـرة، وبعث البابا "غريغور السادس عشر" تماثيل للقديسين..

وبعد استقلال الجزائر في 5 جويلية  1962  اعيد مسجد كتشاوة إلى دائرة الإسلام؛ وأزالت كل الصلبان التي كانت منتصبة فوق مآذنه وقبابه ، قد أقيمت في مسجد كتشاوة أول صلاة جمعة يوم 2 نوفمبر 1962 واستقطبت عدداً هائلاً من الجزائريين الذين غصَّ بهم المسجد وساحته المجاورة التي سميت ب "ساحة الشهداء " تخليداً لذكرى الـ 4 آلاف شهيد الذين استشهدوا دفاعاً عن مسجد .

أنامل تركية ترمم المسجد كتشاوة العثماني وسط العاصمة الجزائرية

هذا وقد عمدت مؤخرا دولة الجزائر على عملية ترميم واسعة للمسجد قصد تثبيت المآذن والصومعة والجدران التي تضررت كثيراً من زلزال 21 ماي 2003،
وقد تولت الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا) أعمال ترميم المسجد لنحو ثلاثة أعوام، بالتعاون مع مؤسسات وعلماء آثار جزائريين، وتكفلت الوكالة التركية بجميع مراحل ترميم المسجد بإشراف وزارة السكن والعمران والمدينة الجزائرية، وقد قام على أعمال الرسم والكتابة الخطاط التركي "حسين قوطلو" الحاصل   على جائزة الرئاسة التركية للثقافة والفن سنة 2016 ، وسمح اتفاق ترميم المسجد بالاستفادة من خبرة تركيا في مجال ترميم المساجد ، فضلا عن تدريب عدة كوادر جزائرية في مجال الترميم المساجد  ليستعيد بذلك " مسجد كتشاوة" مكانته كتحفة عمرانية اسلامية ضاربة في عمق تاريخ، وقد قامت حرم الرئيس التركي أمينة أردوغان في افتتاح ترميمه سابقا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!