ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

خلال هذا الأسبوع انعقدت القمة الإفريقية في دورتها الــ 33 لتسلم مصر خلال اجتماع رؤساء الدول الإفريقية رئاسة الدورة إلى جنوب إفريقيا، وعلى الرغم من أن السيسي ترأس الاتحاد خلال العام المنصرم، فإن كلمته لم تتطرق لما تم إنجازه خلال رئاسته للاتحاد، واتجه كالعادة إلى الملف الرئيسي الذي يبني عليه سياساته الخارجية سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، وهو ملف مكافحة الإرهاب، وقد خدمه في ذلك أن الدورة الجديدة جاءت تحت شعار (إسكات البنادق وتهيئة الظروف للتنمية في إفريقيا)، لكن هل كلمة السيسي التى ألقى باللوم فيها على التدخل الخارجي جاءت في هذا السياق؟

بالطبع كانت على عكس المقصود من شعار الدورة الحالية، فبدلا من أن يستعرض السيسي أوضاع القارة والجهود التي بذلها من أجل حل المشكلات، انتهز السيسي الفرصة لتصفية حسابات وتأليب بعض الأطراف على خصومه الذين صنعهم هو، متناسيا الأزمات الداخلية الخطيرة التي صنعها منذ توليه مقاليد الحكم في مصر، وفي القلب منها، أزمة سد النهضة بعد توقيعه على الاتفاقية الإطارية، فعلى الرغم من أن السيسي منذ توليه زمام الأمور في مصر شارك في قمتي الإتحاد الإفريقي بغينيا الاستوائيـة وأديس أبابا، كما أوعز لرئيس وزرائه السابق إبراهيم محلب بزيارة العديد من دول القارة مثل غينيا الاستوائية، وتشاد، وتنزانيا واثيوبيا، لكن بقراءة النتائج فإن المحصلة صفر.

لقد كانت مصر رائدة في إفريقيا أيام الرئيس عبد الناصر، بل كانت تقود الحركة التحررية للقارة، وفتحت آفاق تعان مع دوائر الأمن القومي، بداية بدول حوض النيل، ولا تزال استراحات وزارة الري المصرية شاهدة في كل دول الحوض، بالإضافة إلى المساعدات في مجالي التعليم والصحة، وهو ما رسخ مكانة مصر بين شعوب هذه الدول، وعلى صعيد المحيط الإفريقي رسخ عبد الناصر علاقاته بغرب ووسط وجنوب إفريقيا امتدادا للعلاقة الأخوية مع دول الشمال الإفريقي، هذه العلاقة التي امتددت طوال سنوات حتى قطعها مبارك بعد حادثة محاولة اغتياله في أديس أبابا، لتنسحب مصر من المشهد الإفريقي بالكلية، ليعيدها السيسي من جديد بعد الانقلاب لكن من منظور جديد.

بعد أن أجر السيسي ونظامه بندقيته بل وإرادته للكفيل الإماراتي، أصبح تعاطي مصر مع قضاياها الإفريقية وفق الأجندة الإماراتية، فتحديد الأولويات، والتنقل بين دوائر العلاقات محسوم قراره من أبوظبي، فأصبحت السياسة الخارجية المصرية في إفريقيا سياسة الوكيل مرهونة بإرادة الأصيل في أبوظبي، وبالعودة إلى كلمة السيسي خلال افتتاح الدورة الــ 33 يمكن فهم هذا الدور بوضوح، فقد تطرق السيسي إلى قضية لم يثبت عليها دليل حتى الآن، وهو ما يجعل من التطرق لها ضرب من العبث، فقد حذر السيسي من خطورة نقل  من سماهم المرتزقة من سوريا إلى ليبيا على الأمن الإفريقي وعلى دول جوارها تحديدا، واتهم أطرفا إقليمية لم يسمها، ويقصد تركيا بالطبع، بخرق التوافق الدولي في مؤتمر برلين الخاص بليبيا، معتبرا ذلك تغذية للإرهاب في القارة.

هذا الحديث مدفوع بأزمة حقيقية يعيشها النظام المصري وكفيله الإماراتي، فالحديث عن الإرهاب لاسيما في ليبيا - الغير متوفر في الحالة الليبية - هو حديث القليل من كثير عن الإرهاب في القارة، والذي تنخرط فيه كل من الإمارات والنظام المصري بشكل كبير، فقتل المدنيين في ليبيا بالطائرات المسيرة أو بالطلعات الجوية المنطلقة من الشمال الغربي للأراضي المصرية هو الإرهاب الحقيقي للدولة، لكن الأدهى والأمر هو انخراط عناصر مخابراتية في تمويل وتدريب وتسليح أطراف الصراع في دولة جنوب السودان، أو العمليات الإرهابية المتورطة فيها المخابرات الإماراتية والآن المصرية في الصومال، وكذا حديث بعض التقارير الاستخباراتية عن تورط النظام في مصر مع جماعات مسلحة في الغرب الإفريقي.

هذا الانفصام الذي يعيشه النظام المصري، لا يمكن أن يعيد مكانة مصر بين أخواتها في إفريقيا، تلك المكانة التي حلمت بها الثورة المصرية وبل عملت عليها في فترة الرئيس محمد مرسي وقبله من خلال وفد الدبلوماسية الشعبية الذي زار إثيوبيا والذي كان نواة لزيارات أخرى لكل القارة من أجل عودة مصر لأسرتها الإفريقية بعد أن حرمتها منها الديكتاتورية العسكرية في زمن السادات ومبارك، لكن الأعظم والأخطر هو تأجيج النظام لبؤر الصراع في القارة، ليبقى السؤال مطروحا أمام قادة القارة الإفريقية، كيف يمكن أن يكون نظام بهذه السياسات جزء من منظومة تريد أن تسكت البنادق في إفريقيا؟

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس