د. علي حسين باكير - تلفزيون سوريا

في تعليقه على مقتل الجنود الأتراك في الهجوم الذي شنّه نظام الأسد على نقطة المراقبة الخاصة بهم في إدلب قبل حوالي عشرة أيام، ندد وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو بالإعتداء، مُعرباً عن دعم الولايات المتّحدة الكامل للإجراءات التي تتّخذها تركيا بصفتها دولة حليفة للدفاع عن نفسها، وذلك بموازاة سيطرة نظام الأسد على المزيد من الأراضي هناك بدعم إيراني وروسي.

وطالب البيان بوقف الهجمات الهمجيّة والسماح بوصول المساعدات الإنسانيّة، مُلقياً اللوم فيما يتعلق بتصاعد الاعتداءات غير المبررة ضد المدنيين على نظام الأسد وإيران وحزب الله وروسيا. وقد تعهّد البيان كذلك بأن تبذل واشنطن "قصارى جهدها لمنع إعادة دمج نظام الأسد في المجتمع الدولي، حتى يمتثل لجميع أحكام قرار مجلس الأمن رقم 2254، وبينها وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، بما في ذلك إدلب".

يُعتبر هذا البيان بمثابة موقف متقدّم للولايات المتّحدة مما يجري من تطورات في إدلب، سيما وأنّ تركيا تحتاج إلى دعم دولي (أمريكي وأوروبي) في جهدها لتحييد الموقف الروسي ومعاقبة نظام الأسد على قتله الجنود الأتراك، وخرقه الاتفاقات، وتهجيره حوالي مليون سوري باتجاه الحدود السورية في عملياته العسكرية الأخيرة.

لم يكن بيان بومبيو الوحيد الذي يصب في مثل هذا الاتجاه، إذ صدرت تعليقات عن الخارجية الأمريكية وكذلك عن مسؤولين أمريكيين من بينهم الممثل الأميركي الخاص للشأن السوري، جيمس جيفري، كلّها عبّرت بشكل صريح وواضح عن موقف داعم لتركيا والإجراءات التي تتخذها الآن في إدلب.

القوات المسلّحة التركية تتمتّع بالكفاءة والقدرة العالية وهي قادرة على حسم الأمور إذا ما تركت في مواجهة النظام وحلفائه، لكن تكمن المشكلة في العقبة الروسية وهي تتمحور حول ثلاث معطيات رئيسية: الاعتماد الكبير لأنقرة على موسكو في مجال التبادل التجاري والسياحة والطاقة، وقدرة روسيا على استخدام الميليشيات الكردية كورقة، وأخيراً سلاح الجو الروسي. إذا ما قررت روسيا استخدام أي من هذه الأوراق ضد تركيا، فقد تنجح في عرقلة التحرّك التركي المنتظر ضد نظام الأسد.

ما تحاول أنقرة فعله الآن لتحييد الجهد الروسي هو التركيز على خرق نظام الأسد لآخر خطوطها الحمراء المتمثّلة بقتل جنودها. رسالة أنقرة إلى موسكو أنّ هذه جريمة لا يمكن السكوت عليها، وأنّ الدفع بأمواج من اللاجئين إلى حدودها هو خطر لا يمكن احتواؤه، وبما أنّ روسيا لا تستطيع الضغط على نظام الأسد كما تدّعي، فهذا يعني انّه ليس من حقّها الاعتراض على الاقتصاص منه.

لكن ماذا إذا قررّت روسيا الدفاع عن الأسد فعلاً مستخدمة سلاحاً اقتصادياً ضد تركيا أو أدخلت سلاحها الجوّي في المعادلة؟ هذا يعني أنّ أنقرة ستكون بالتأكيد بحاجة إلى دعمٍ عملي من واشنطن. من هذا المنطلق بالتحديد، يكمن التحدّي الأكبر في معرفة إذا ما كانت واشنطن مستعدّة لتقديم ما هو أكثر من مجرّد بيان لدعم تركيا في التصعيد الجاري بين الأخيرة وبين نظام الأسد وحلفائه في إدلب.

مصلحة واشنطن تقتضي أن تميل إلى جانب تركيا في حال حصول صدام بين الطرفين، لكن تاريخ الولايات المتّحدة في الملف السوري والعلاقة غير الإيجابية مع تركيا مؤخراً لا تدفع إلى الاعتقاد بأنّ موقع واشنطن سيكون مختلفاً بشكل جذري هذه المرّة. إذ لطالما امتنعت واشنطن عن دعم الموقف التركي بشكل مباشر أو غير مباشر -عبر دعم المعارضة السورية بالسلاح على سبيل المثال-. فضلاً عن ذلك، فإنّ الرئيس الأمريكي ترامب ليس في وارد الانخراط بمعارك كبيرة في عامه الانتخابي، وهو ما يقلّل أيضاً من حظوظ وجود دعم يتجاوز المألوف إلى خوض معركة حقيقية إلى جانب تركيا.

خلال الأسبوع الماضي، قال الممثل الأميركي الخاص للشأن السوري، جيمس جيفري بأنّ الولايات المتّحدة تسأل الأتراك عن أي مساعدة يحتاجونها، مضيفا أنّ بلاده تبحث سلسلة خيارات لمواجهة التطوارت في محافظة إدلب، لكنّه اختصر الإجراءات التي من الممكن للولايات المتّحدة اتخاذها في هذا السياق بالتحديد بـ"فرض عقوبات إضافية". لا تحمل العقوبات عادة أي تأثير على القرار المباشر للأنظمة خاصة تلك النفطيّة منها. ربما تجعل هذه العقوبات موسكو تعيد النظر في جدوى خوضها معركة مع تركيا، لكنّها لن تثنيها عن ذلك في حال قررت العكس.

هناك احتمال ولو ضئيل جداً أن يتضمّن أي تفاهم تركي- أمريكي على دور ما في إدلب قيام الطرفين بتنفيذ هجمات مشتركة ضد الجماعات المتطرفة في المنطقة، في مقابل أن تلجم موسكو نظام الأسد وتدفعه إلى أن يقدّم تنازلات في العملية السياسية وأن يلتزم بالاتفاقات الدولية. لكن هل هناك مصلحة لروسيا في الدفع في مثل هذا الاتجاه خاصّة إذا كانت ترى أنّه بإمكانها حسم الأمور عسكريا؟ أشك في ذلك.

في نهاية المطاف، الجميع في موقع اختبار المواقف الآن، وربما تعتقد روسيا وحلفاؤها بأنّ الحشد التركي غير المسبوق في سوريا لناحية العدّة والعتاد هو مجرّد مراوغة، لكن على المقلب التركي هناك تأكيد على أنّ ذلك أبعد ما يكون عن المراوغة، وفي حال قررت أنقرة المضي قدما بعملية عسكرية، فإنَّ ذلك لن يختبر روسيا فحسب وإنما الولايات المتّحدة أيضاً.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس