محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس

مقدمة

في أعقاب اعتراف الحكومة التركية بالحكم الوطني في العراق في بدايات عشرينيات القرن الماضي اتصل السفير التركي في لندن بالحكومة البريطانية وأبلغها رغبة حكومته في تعيين قنصل تركي عام لها في بغداد ومعرفة موقف الحكومة العراقية إزاء ذلك.

وجاء رد الحكومة العراقية أن يكون التمثيل الدبلوماسي بينهما بدرجة (وزير مفوض) بدلا من (قنصل عام) وطلبت من بريطانيا مواصلة مساعيها لتحقيق هذا الأمر، رغبة في إعطاء العلاقات المستوى الدبلوماسي الذي تستحقه من الأهمية.

وافقت تركيا على اقتراح العراق وتم تعيين وزيرين مفوضين في كل من أنقرة وبغداد في أيلول/ سبتمبر عام 1929 مثل العراق في هذا المنصب (صبيح نشأت) ومثل تركيا فيه (طاهر لطفي) ..... مرتبة.

تعتبر العلاقات التاريخية بين تركيا والعراق، وروابط الدين والعرق والثقافة والاقتصاد، دعائم حافظت على متانة تلك العلاقات منذ بدايتها وحتى الوقت الحاضر، إضافة إلى أن نهري دجلة والفرات القاسم المشترك بين الدولتين، واللذين يغذيان أراضيهما، هما أيضا يشكلان رابطة أزلية اقتصادية مشتركة.

وعلى هذا الأساس، فإن العلاقات التركية العراقية المتميزة هي الخيار الوحيد أمام البلدين، ولذلك دأب مسؤولو الجانبين على تقويتها وجعل تطويرها هدفا دائما مستمرا، بالإضافة إلى مسألة المياه وكمية ما يطلق منها من الجانب التركي لنهري دجلة والفرات واللذين ينبعان من الأراضي التركية، وهي إحدى النقاط التي يسعى الطرفان إلى تعزيز التعاون الوثيق حولها، خصوصا بعد إنشاء السدود التركية على أحواضها.

وقد راعى  الجانب التركي أزمة العراق بخصوص المياه وحاجته الماسة لها وتحديدا أزمة عام 2018، بسبب قلة تساقط الأمطار في أراضي الأخيرة، فقد تم تأجيل ملء حوض السد التركي (إليسو) بالمياه لغاية يونيو/ حزيران المقبل، وفق تصريح سفير أنقرة ببغداد فاتح يلدز، عند لقائه وزير الموارد المائية العراقي حسن الجنابي في 17 كانون الثاني/ يناير الماضي ببغداد.

وعلى العموم فالعلاقات التركية العراقية، ومنذ نشوئها كانت وما زالت تتصف بحسن الجوار، ولم تشهد تلك العلاقات أي شائبة هامة عكرت صفوها، ويمكن اعتبارها علاقات نموذجية سادها على الدوام احترام السيادة المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدين، واستعداد الجانبين لحل كل الأمور التي تعترض مسيرتهما التفاعلية والتعاونية، وتؤثر بشكل سلبي على علاقات حسن الجوار.

وحقيقة الأمر أنه لم تسجل أي علامة في تاريخ السجل السياسي للجارين كحصول أزمة خلافات أو نزاعات بل بالعكس كانت على الدوام تتصف بالإيجابية بالحد الأدنى من الوصف.

فلم تكن هناك مخاوف حول نشوب نزاعات أو تصدير نزاعات بين البلدين لا على أرض الواقع ولا في مخيلة المشككين المريضة والذين يحذرون من أن توسيع نطاق الاحتجاجات السلمية في العراق ربما سيؤدي إلى إحداث أضرار في الجارة تركيا.

إن الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات العراقية هي احتجاجات سلمية، فهي ومنذ اندلاعها في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي لم  تسجل أية حادثة مسلحة إطلاقا من المحتجين ضد القوات الأمنية أو ضد أية جهة أخرى مدنية أو عسكرية أو حزبية، بل بالعكس فإن قوافل شهداء المحتجين ما زالت مستمرة منذ نشوئها ولحد الآن على أيدي القوات الأمنية أو الأطراف المتخفية الأخرى والمرتبطة بجهات سياسية خارجية أو داخلية.

وقد تم عقد ندوة في مركز دراسات الشرق الأوسط "أورسام" الجمعة الماضية بعنوان "تركيا ومستقبل العراق"، وكان ضيف الندوة السياسي والوزير السابق محمد شياع السوداني الذي تحدث بإسهاب عن رؤيته لمسألة الاحتجاجات العراقية وأسباب اندلاعها واستمرارها.

كما تحدث باحث آخر من مركز "أورسام" حول النقاط التي تتحكم في الشأن العراقي في الظرف الحالي والتي لخصها بالنقاط الأربعة التالية:

أولا: الطبقة السياسية الحاكمة والمتمثلة بالأحزاب الطائفية ونظام المحاصصة المشؤومة.

ثانيا: الجمهور العراقي ودرجة الوعي لدى هذا الجمهور ومدى تفاعله مع الأفكار الهزيلة للسلطة والتي تتقاسم غنائم المحاصصة مهملة مطالب الشعب.

ثالثا: المرجعية الدينية والتي أصبحت ذات نفوذ وتأثير كبير بعد احتلال بغداد عام 2003.

رابعا: الفاعل الإقليمي والدولي. والمقصود هنا أمريكا وإيران التي تتدخل بشكل سافر في العراق.

وتحدث باحث آخر في الندوة، وركز في حديثه على العلاقات العراقية التركية والمخاوف من تأثير الاحتجاجات الشعبية على الساحة التركية. وأتصور حقيقة أن ما طرحه هذا الباحث من آراء كانت مستمدة من رؤيته المحدودة؛ فالظاهر أنه لم يطلع على العلاقات العراقية التركية وتطورها إطلاقا، وكذلك لم يتابع الاحتجاجات العراقية السلمية والتي لم تسجل حالة خرق أمني واحدة إطلاقا، ونتساءل ما هي المخاوف من اتساع نطاق الاحتجاجات السلمية على الوضع التركي.

إن وضع علامات استفهام من تخوفات مستقبلية لدول الجوار من الاحتجاجات الشعبية العراقية هي عبارة عن خلق طرف رابع معادي لتطلعات الشعب العراقي الذي يعاني من ويلات الإخفاقات المتراكمة للسطة السياسية الممتنعة عن وضع برنامج إصلاحي لصالح الشعب العراقي.

كما أن طرح مسألة التخوفات من استمرار الاحتجاجات هي وسيلة أخرى من وسائل السلطة في العراق، وكما ذكر المتحدث نفسه بأن كل دولة أو جهة رسمية وشعبية تساند الاحتجاجات العراقية تعتبر عدوة لإيران.

وهنا نطرح استفسارين:

هل يعني هذا أنها رسالة موجهة إلى تركيا؟

وثانيا هل يعني عدم تنفيذ مطالب المحتجين قرار إيراني؟

ثم تطرق إلى مسألة المياه بين البلدين حيث أشار إلى أنها مرتبطة بالأوضاع السياسية بين البلدين وتثار دائما في حالة نشوب خلافات سياسية بين البلدين. وهذه مغالطة جسيمة أخرى للباحث حيث فاتته النقاط التالية:
أولا: لم يحصل أن قامت تركيا بالتضييق على العراقيين بقصد الابتزاز السياسي. ونحن نعلم أن القيادة التركية أجّلت ملء حوض سد إليسو أكثر من مرة، أي أن القيادة التركية اهتمت بالجانب الإنساني والجيرة الحسنة. وقد صرحت ولأكثر من مرة وعلى لسان أكبر قادتها بأنها ستتقاسم الرغيف الواحد مع العراقيين.

ثانيا: من المعروف أن نهر دجلة ينبع من الأراضي التركية ثم إلى الأراضي العراقية بمعنى أن جهة واحدة هي من تستطيع أن تستغل النهر لأغراض سياسية نفعية ولا حاجة للشرح المطول.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس