د. علي حسين باكير - عربي 21

خلال زيارته لباكستان الأسبوع المنصرم، سجّل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رقماً قياسياً لم يسبقه إليه أي مسؤول أجنبي عندما ألقى كلمته الرابعة في البرلمان الباكستاني في إسلام أباد. وتعكس هذه الدلالة الرمزية عمق العلاقات بين كل من تركيا وباكستان بوصفها واحدة من أقدم وأكثر العلاقات استقراراً في المنطقة. 

وبالرغم من أنّ للعلاقات التركية ـ الباكستانية جانب وجداني قوي لدي شعبي البلدين، إلا انّ أنقرة وإسلام أباد لم تنجحا في ترجمة ذلك الى أجندة مشتركة لهما خلال العقود الماضية، فالعلاقات السياسية ظلّت تلامس القشور في غالب الأحيان، وإذا ما استثنينا المجلس الاستراتيجي الأعلى الذي تمّ إنشاؤه في العام 2009، لم يقم الجانبان بمبادرة مماثلة من قبل تضمن الإستمرارية في تنسيق المواقف على الصعيد السياسي.

أمّا بالنسبة الى العلاقات الإقتصاديّة، فانّ حجم التبادل التجاري بين البلدين متواضع جداً ولا يعكس قدراتهما فضلاً عن علاقاتهما التاريخيّة المميّزة، اذ لم يسبق لحجم التبادل الاقتصادي أن تخطى ال800 مليون دولار من قبل. وفضلاّ عن أنّ مثل هذا الرقم لا يليق بهما، فانّ العامل الاقتصادي يعتبر بمثابة نقطة ضعف لباكستان يجعلها تخضع لضغوط مستمرّة من قبل حلفائها قبل خصومها. 

وتعتبر العلاقات العسكرية ـ الدفاعية بين البلدين الأكثر تقدّماً حالياً مقارنة بالمجالات الأخرى. ومع أنّها بدأت تأخذ طابعاً مستداماً، إلاّ أنّ هذا المسار كان قد بدأ مؤخراً فقط. هناك عدد من اللجان رفيعة المستوى مسؤولة عن التنسيق العسكري والدفاعي، وقد دخل الجانبان في صفقات تسلّح في السنوات الأخيرة جعلت من أنقرة المورّد الأوّل للأسلحة الى باكستان العام الماضي –اذا ما إستثنينا الصين طبعاً- لناحية حجم الصفقات لاسيما المتعلّقة باستيراد إسلام أباد مروحيّات "أتاك- (T129)" التركية، وسفن إمداد، وتكليف أنقرة بتحديث غواصات باكستان ومقاتلاتها. 

ركّزت الزيارة التي حظي أردوغان خلالها باستقبال باهر على العلاقات التاريخية بين البلدين وعلى ترسيخ العلاقات الإستراتيجية بينهما ودعم القضايا ذات الاهتمام المشترك لاسيما تلك التي تحمل طابعاً إسلامياً. وتكمن أهميّة الزيارة الآن في أنّها تصبّ في سياق إحداث نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين، وتتيح الإستفادة المتبادلة من الطاقات المشتركة في وقت تتعرّض فيه أنقرة وإسلام أباد لمخاطر متزايدة من المحيط الإقليمي، كملف سوريا وشرق حوض البحر المتوسط بالنسبة إلى تركيا، وقضية كشمير بالنسبة إلى باكستان. 

فضلاً عن ذلك، فإنّ هذه الزيارة تأتي بعد إعتذار باكستان عن المشاركة في قمّة كوالالمبور الإسلامية نتيجة للضغط السعودي، وهي بهذا المعنى بمثابة تفهّم لوضع باكستان ومحاولة لتخليصها من العوامل التي تقوّض من حريّة تحرّكها السياسي.

الباكستانيون أدركوا الآن بانّه لم يعد بإمكانهم المراهنة على أصدقائهم التقليديين في الخليج كالسعودية والامارات، فالأولى رفضت طلب باكستان الدعوة الى قمّة طارئة لمنظمة التعاون الإسلامي من أجل مناقشة قضية كشمير، والثانية إعتبرت أنّ كشمير شأناً داخلياً لا علاقة لها فيها! إسلام أباد بحاجة اليوم إلى تنويع علاقاتها دون أي يعني ذلك بالضرورة بأنّها تسعى إلى قطيعة مع أحد، لكنّ خياراتها تبقى محدودة إذا لم تستطع إصلاح الوضع الاقتصادي للبلاد. 

في المقابل، فإنّ تجربة تركيا مع السعودية والإمارات تتقاطع كذلك مع تجربة باكستان، إذ إنّ أنقرة تعي بأنّ البلدين باتا يفتعلان المشاكل لها في الإقليم، وأنّه لا بد من توسيع دائرة الحلفاء والأصدقاء في العالم الإسلامي الى أقصى حد ممكن لمواجهة هذا النوع من العبث الإقليمي أو لتحييد نتائجه السلبية على الأقل. 

باكستان تسعى إلى إتفاقية تجارة حرّة مع تركيا وإلى جذب أكبر قدر ممكن من الاستثمارات التركية إلى البلاد، وهي تسعى في نفس الوقت إلى الحصول على كل التضامن السياسي الممكن معها في القضايا الشائكة التي تواجهها ولاسيما قضيّة كشمير. من الناحية السياسية، تركيا داعم قوي وربما يكون الوحيد الذي يدعم باكستان في المنصّات والمنظمات الإقليمية والدولية بشكل صريح ومباشر. هذا الموقف يعبّر عن إلتزام سياسي تقابله إسلام أباد مؤخراً بتضامن مماثل في مواضيع عدّة منها الوقوف الى جانب الحكومة التركية إبّان المحاولة الإنقلابية الفاشلة، ودعم موقف أنقرة في الملف السوري وفي ملف قبرص. 

فيما يتعلق باتفاقية التجارة الحرّة، حتى الآن لا تزال هذه العقبة قائمة بين الطرفين، وربما يحصل تقدّم فيها في شهر أبريل المقبل. هناك رغبة تركيّة في مساعدة باكستان إقتصادياً، وقد ساهم الرئيس التركي مؤخراً في إعفاء إسلام أباد من غرامات مالية عليها إلى الجانب التركي تفوق المليار دولار، لكن وضع تركيا أيضاً لا يساعدها بالشكل الذي يغني باكستان عن بعض الدول الأخرى. 

من ناحية ثانية، تحاول تركيا التي تعتبر واحدة من أسرع الدول صعوداً في مجال الصناعات الدفاعية مؤخراً أن تستفيد من خبرات باكستان في المجال الدفاعي، فباكستان قوة نووية وكانت قد ساعدت سابقا وإن بشكل غير رسمي عدداً من الدول بتطوير قدراتها النووية و/أو الدفاعية، ويبدو أنّ مسار التعاون بينهما يؤسس لنجاح مستقبلي باهر بينهما إذا ما توافرت الأموال المطلوبة لدعم المشاريع المشتركة. 

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس