د. علي حسين باكير - العرب القطرية

خلال الأعوام القليلة الماضية، كثر الكلام عن وجود تحالف بين تركيا وروسيا، وذلك على خلفية الاتفاق على شراء أنقرة منظومة الدفاع الصاروخي الروسية «أس-400». ترافق ذلك مع لقاءات رسمية مكثّفة تركية - روسية في موضوعات تتعلق بالملف السوري، وتطبيع العلاقات الاقتصادية. لم يغب هذا الادّعاء أيضاً عن لسان بعض المحللين الأتراك؛ إما تماهياً وإما تمنّياً. أياً يكن، فقد أظهرت التطورات السلبية في إدلب مؤخراً أن مثل هذا التصوّر للعلاقات التركية - الروسية لم يكن واقعياً.

تقارب روسيا مع تركيا كان له حسابات خاصة في موسكو تتجاوز العلاقات الثنائية، لعلّ أهمّها محاولة تعميق الخلاف بين أعضاء حلف شمال الأطلسي وإبعاد تركيا عن الولايات المتحدة الأميركية. أمّا من الناحية التركية، فالمفتاح في الشيفرة مع موسكو هو تنويع العلاقات وتخفيف الاعتماد على الغرب وتحقيق التوازن بشكل يسمح بصون استقلالية القرار السياسي للبلاد، لا سيّما في السياسة الخارجية والدور الإقليمي. لكن مع تدهور العلاقة خلال المرحلة الماضية مع واشنطن وبروكسل، لم تعد العلاقة مع روسيا تعمل بشكل صحيح أو تنفّذ الغرض المراد منها وفق هذا التصور.

ما يصفه البعض بالتحالف لم يكن في حقيقة الأمر سوى علاقات هشّة، لا سيّما على مستوى الملفات المتعلّقة بأطراف ثالثة. أما على مستوى العلاقات الثنائية، فقد أظهرت الأزمة الأخيرة أن هذه العلاقة غير متوازنة وأن هناك اعتماداً زائداً عن اللزوم على موسكو في كثير من المجالات، لا سيّما على المستوى الاقتصادي ومستوى أمن الطاقة، وهو ما يُقوّض من قدرة تركيا على تحدّي الموقف الروسي عندما يكون هناك اختلاف عميق بينهما.

لروسيا اليد العليا في العلاقات الثنائية اليوم؛ حيث تسجّل الأخيرة قرابة 22 مليار دولار كفائض في التجارة البينيّة مع تركيا، وما زالت تحافظ في الوقت نفسه على موقعها بصفتها أكبر مورّد للغاز لتركيا. علاوةً على ذلك، تعتمد أنقرة على روسيا لبناء مفاعل أكويو في سياق تطوير برنامجها النووي للأغراض السلمية وإنتاج الكهرباء. ويزور تركيا -وفقاً لأحدث الأرقام- حوالي 7 ملايين سائح من روسيا؛ ممّا يضعها في المرتبة الأولى في عدد السيّاح الأجانب. هذه المعطيات تجعل من موسكو أكثر قدرة على تحمّل تكاليف الخصومة مع تركيا، وتمنحها أيضاً هامشاً أعلى من المناورة وحتى المغامرة.

ويشجّع الخلل الموجود في التوازن بين البلدين روسيا على مهاجمة الجنود الأتراك، سواء عبر نظام الأسد أو بشكل مباشر لاحقاً، من الجو. وعلى الرغم من تفادي تركيا إلقاء اللوم على روسيا مباشرة فيما يتعلّق بخسائرها البشرية في سوريا، فإنّ الجانب الروسي لا يُبالي على ما يبدو.

امتناع الولايات المتحدة، أو أوروبا أو حتى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، عن تقديم الدعم اللازم لأنقرة من شأنه أن يقوّي من موقف روسيا في مواجهة تركيا، علماً أنّ هذه الجهات كانت مسؤولة كذلك إلى حدّ بعيد عن دفع تركيا باتجاه روسيا، لا سيّما خلال العامين الماضيين.

لا يوجد أدنى شكّ اليوم بأنّ ثمة حاجة إلى إعادة التوازن إلى العلاقة مع روسيا، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا من خلال علاقة أعمق مع واشنطن وأوروبا؛ لكنّ ذلك يفترض أيضاً أن يكون هناك رؤية كذلك حول كيفية حل هذه المعضلة. حتى هذه اللحظة، لا تزال السياسة الخارجية التركية تفتقد إلى رؤية استراتيجية حول التوجهات الرئيسية، وهذا لا يتسبب في مشاكل لتركيا فقط، إنما يخلق صورة مشوّهة عنها لدى من يتابعها في الخارج.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس