علي الصاوي - خاص ترك برس

"لا تعاند من إذا قال فعل" كلمات قالها "ابن الوردي" في لاميته ينصح فيها بتجنب أصحاب العقول الصلبة ومن ينفّذ تهديداته تحت أي ظرف كان، وهو ما تجلى في هجمات الجيش التركي على عصابات الأسد وحلفائه ثأرا لمقتل أكثر من ثلاثين عسكريا في إدلب، وإصرار تركيا على الالتزام بمخرجات سوتشي فيما يتعلق بالمنطقة الآمنة. 

فبعد أن اشتدت المواجهات العسكرية في إدلب بين كرّ وفرّ أثبت الأتراك أنهم ليسوا من السهولة بمكان، وأن تصريحاتهم ليست عنترية أو دخانا يطير في الهواء، كما يعتقد البعض، بل سرعان ما تتحول إلى تطبيق على أرض الواقع، لكن الحكمة السياسية والدبلوماسية وقراءة المشهد جيّدا والفخاخ المنصوبة لها هو سرّ صبر الأتراك طيلة السنوات الماضية، على خروقات الروس وإجرام بشار الأسد وأذياله الإيرانيين. 

يدرك الأتراك جيّدا أن الروس لا عهد لهم، وما فعلوه في إدلب مبيّت النيّة منذ زمن، حيث صرح وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" في وقت سابق "بأن مخرجات أستانة حول إدلب لا تستبعد الهجوم على الإرهابيين هناك، ولدمشق الحق في تصفية هذه الفصائل المسلحة" هذه التصريحات تعكس فلسفة الرؤية السياسية والعسكرية للروس في سوريا القائمة على القصف المتواصل، لدفع سكان إدلب باتجاه الأراضي التركية، لإحكام السيطرة على كافة المناطق السورية، مستغلة الحلم التركي والتزامه بالاتفاقيات المبرمة بين كافة الأطراف حول سوريا. 

لكن الرد التركي كان صادما للجميع وأربك حسابات الكل وقدم دليلا دامغا أن روسيا بضربها للجنود الأتراك تعيش حالة تشنجات الهزيمة لفشلها في حماية المناطق التي استولى عليها الأسد بدعمها المباشر، بالإضافة إلى كشف ضحالة فهمها للسياسة التركية التي لا تقبل الرضوخ للأمر الواقع مهما كلفها الأمر، بل تفرض أمرا واقعا جديدا على الجميع، إضافة إلى فشلها أيضا في استدراج تركيا لإرغامها على إعادة المفاوضات حول تقليص مناطق خفض التصعيد في إدلب. 

لقد أثبتت تركيا في كل اختبار أنها قادرة على التعامل مع أي معطيات في المشهد السوري، حكمة سياسية مزجت بين الدبلوماسية والاستعداد العسكري الجيّد، أعقبتهما تطبيق عملي على أرض الواقع وحشد رأي عام دولي، وهذا الدعم جاء لعدة أسباب، أولا تحجيم الدور الروسي في سوريا والذي تعاظم نفوذه في السنوات الأخيرة، ثانيا تنفيس الضغوط عن تركيا خاصة فيما يتعلق بملف اللاجئين، الذي يعد ورقة ضغط مثمرة لوحت بها تركيا في وجه الاتحاد الأوروبي لتقديم مزيد من الدعم المادي والسياسي لتركيا فيما تواجهه من تحديات، وثالثا استمالة أمريكا لتركيا واللعب على وتر الخلاف بينها وبين روسيا. 

وعلى الصعيد الداخلي أقدمت تركيا على تنفيذ عمليتها درع الربيع لإعادة رسم المشهد من جديد ولن يتوقف الأمرعند إدلب، بل سيمتد إلى مناطق أخرى داخل سوريا، وقد تلجأ تركيا إلى فتح جبهات جديدة مع النظام السورى لتدور الدائرة عليه مرة أخرى عبر دعم الجيش الحر بأسلحة نوعية ودعم لوجيستي ومخابراتي، فالجغرافيا في صالح تركيا وهى تعلم أن حفظ أمنها القومي لا يكون من خلال المواجهة عند النقطة صفر من حدودها، بل يكون من عمق وجود الخطر الذي يهددها، لذلك لن تتراجع تركيا أبدا مهما كلفها الأمر، فالثمن الذي تدفعه الأن أقل بكثير من الثمن الذي سوف تدفعه لو تراجعت ورضخت للأمر الواقع في سوريا، فعندما تولى تشرشل رئاسة الوزراء البريطانية إبان الحرب العالمية الثانية، قال لشعبه: "إنه يعدهم بالدم والدموع والعَرق قبل أن يقودهم إلى النصر" فكل شيء له ثمن والحروب كما تجنى مكاسب تجنى خسائر أيضا، كما قال القائل" ومن ظن ممن يلاقي الحروب.. بأن لا يصاب فقد ظن عجزا". 

قد تكون دماء الأتراك هي ثمن استعادة المنطقة الأمنة بكاملها وحفظ أمن تركيا على المدى البعيد، وإعادة توطين السوريين الذين هجرهم القصف من بيوتهم، لا أجد ما أصف به هذه الحميّة التركية والاستنفار العسكري للثأر لجنودها بعد سنوات من الصبر ومحاولة حل الأزمة سياسيا إلا ما قالته الخنساء في أبيات شعرية: " أنا مثـلُ الماءِ سهلٌ سائغٌ.. ومتـى أُسخِـنَ آذى وقَتَـلْ"

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس