محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس

أثارت مقالتي الأخيرة التي نشرتها جريدة ترك برس عن حياة الأمير محمد ابن الملك فيصل الأول ملك العراق علامات استفهام وتساؤلات كثيرة لدى عدد كبير من الناس، تمحور معظمها حول الحقيقة الكامنة وراء التعتيم والغموض الذي رافق حياة الأمير منذ سقوط الحكم الملكي ولغاية وفاته قبل أكثر من عام.

ومن هؤلاء من هم أساتذة وباحثون في التاريخ العراقي، مما يعطي إشارة إلى أن إسدال الستار على عائلة الملك فيصل كان متعمدًا ومحكمًا لدرجة أنه لم يتجرأ أقرب الأقرباء لكشف تلك الحقيقة، وأقصد بهم العائلة المالكة في الأردن أولاد عمومة الأمير محمد.

من جهه أخرى، تلقيت اتصالات متعددة عن الأسباب والدوافع التي ساهمت في تسليط الضوء على حياة هذا الفرع المغيب لعائلة الملك فيصل، وتوقيت النشر في هذا الوقت.

وأيضا شملت استفسارات عن الأسباب الحقيقية لاستبعاد ترشيح الأمير محمد لولاية العهد بعد مقتل أخيه الملك غازي، والذي كان يكبر ولي العهد المتوج الملك فيصل الثاني بتسعة سنوات، وللعلم أن الدستور العراقي كان ينص على حصر تولية العهد لأبناء الملك حصرًا.

وأتذكر في الثمانينات من العقد الماضي، حدثني أحد الأصدقاء، والذي كان يخدم معنا كعسكري في وحدتنا ولا أتذكر اسم مدينته، ومن المؤكد أنه من وسط أو جنوب العراق، حيث ذكر لي أن شيخ عشيرتهم قال إن الوصي عبد الإله قد حضر إليهم وطلب من شيخ العشيرة مؤازرته وحمايته ضد الانقلابيين، مما جعل الشيخ يستهجن هذا الطلب ويرد عليه ويؤكد له أن دم المرحوم الملك غازي لا زال نديًا ولم يجف.

وعلى قدر ما تسعفني الذاكرة أن الشيخ ربما قد اتهمه اتهامًا صريحًا بالتسبب بمقتل الملك غازي أو لمح لذلك تلميحًا، الأمر الذي يدل ربما على وجود كلام سري يحمل بين طياته اتهامات خطيرة للوصي عبد الإله، فقد كان الشيخ من المقربين للعائلة المالكة وموضع ثقة وترحيب  لديهم، ومن المحتمل وجود معلومات دقيقة مسربة له تخص حادث مقتل الملك غازي. ولا ننسى أيضًا حادثة مقتل القنصل البريطاني في الموصل بعد مقتل الملك، والتي كانت أصابع الاتهام بتدبيرها موجهة للإنكليز مباشرة.

الملك غازي الأول 1933

(ملاحظة الكلام الذي ذكرته نقلًا عن الشيخ لا يدل إطلاقًا على وجود نية مبيتة ضد الملك غازي من أي طرف، وبالذات ومن طرف الوصي عبد الإله، ولكن حضور هذه القصة كان للدلالة على وجود علاقات فاترة بينهما.)

ومن المؤسف جدًا امتناع الأميرة بديعة بنت الملك علي عن الإدلاء بأية معلومات تخص الأمير محمد وعائلته الكريمة في لقائها التلفزيوني المتسلسل بحلقات، والذي كان يبث على إحدى القنوات العراقية.

وكذلك عدم ورود أي ذكر للأمير محمد في الكتاب الذي أصدره الكاتب والمحامي السياسي فائق الشيخ علي.

ولا نعلم بالضبط هل كان ذلك عن قصد أم سهوًا، وبكل الأحوال قد يشير هذا الشيء إلى وجود خلافات شديدة بين عائلتها (الملك علي) وعائلة الملك فيصل.

وحول هذا الخلاف بين العائلتين لا ننسى إصرار الأمير عبد الإله على تسلم منصب الوصي على الملك فيصل الثاني.

في عام 1953 زار ملك العراق المرحوم الملك فيصل الثاني مدينة الرفاعي برفقة خاله الوصي عبد الإله ليمضي يومًا جميلًا في ضيافة الشيخ موحان الخير الله، وهو زعيم عشائر الشويلات في العراق وكان عضوًا في مجلس الأمة لـ11 دورة انتخابية، واستقبل الأهالي الملك بالهتافات وتحول الشارع الذي يمر به الملك إلى بيت النائب إلى غابة خضراء زاهية تقديرًا ومحبة بوصول الملك الشاب. ولكن ما إن برز الوصي حتى تعالت التحذيرات من الأهالي، فقد أسمع الملك كلمات تحذره من خاله عبد الإله ومنها (هذا الكاتل غازي أشلون تأمن تمشي وياه).

إن مسألة تولي عبد الإله وصاية العرش تشوبها الكثير من الشكوك، وتؤدي بطبيعة الحال إلى كشف الكثير من الأوراق للباحثين عن الفترة الملكية في العراق. ومن تلك الشكوك التي تحتاج إلى تدقيق هي:

أولًا: لم نقرأ ولم يحدثنا أحد بأن الوصي عبد الإله كان رجل دولة، ويمتلك كاريزما ومؤهلات قيادية وتخطيطية استراتيجية تؤهله لأن يكون من خاصة الملك غازي أو من حاشية الملك الراحل فيصل الأول. وبطبيعة الحال لم نتاكد أيضًا ولم يطرق مسامعنا بأنه كان صديقًا مقربًا للملك غازي.

ثانيا: هناك اختلاف جوهري بين طبيعة الملك غازي المحب للعراقيين والمتطلع لخدمة أبناء شعبه ومحبته لهم ومحبتهم له وبين طبيعة الوصي عبد الإله الذي لم يستطع لبس العباءة العراقية الأصلية ولم يتقرب منهم.

ثالثًا: هذه الأمور لم تكن غائبة عن الملك غازي ولذا فإن وجود فراغ فكري وانعدام أو ندرة توفر تواصل بينهما يعني أنه كان مستبعدًا جدًا من تكليفه مسؤولية رسمية.

رابعًا: هل غاب عن ذهن الملك غازي بأن الوصي لم يمنح الجنسية العراقية، ولم يطالب الوصي نفسه بذلك مع العلم أنه كان يحمل الجنسية الحجازية؟ ونتساءل أيضًا لماذا لم يمنحه الملك غازي الجنسية العراقية إذا كان قد رشحه للمنصب في حال شغوره؟

خامسًا: صدر تأكيد الملك غازي على ترشيح عبد الإله للوصاية من زوجة الملك وأختها فقط وهما شقيقات الوصي.

سادسًا: منصب الوصاية منصب سيادي رسمي، وبطبيعة الحال فإن أول ما يفكر به الشخص هو وضع وصيته عند أناس ثقة مشهورين رسميين ويستطيعون العمل بها وتنفيذها أمام الملأ حتى لا تحدث شرخا في بنية الدولة.

هذه التساؤلات بطبيعة الحال ستفتح الطريق أمامنا للإجابة على ما ورد من كلام الشيخ للوصي عبد الإله عند وصوله لمضيفه بعد هروبه من بغداد عام 1941.

كل هذه المقدمات وعلامات الاستفهام نضعها حتى نستدل منها على أن خلافات حقيقية وعميقة كانت موجودة بين عائلة الملك فيصل وعائلة الملك علي والد الوصي عبد الإله.

والذي أثار انتباهي بعد إعادة مشاهدتي للقاء الأميرة بديعة مع القناة التلفزيونية والذي تحدثت فيه بإسهاب عن وقائع تلك الفترة بالكثير من التفاصيل، هو عدم ذكرها مطلقا للأمير محمد بن الملك فيصل الأول ملك العراق، وحقيقة وقبل الحكم على سبب عدم ذكرها سيرة الأمير محمد لا بد أن نتساءل عن سبب العلاقة المتوترة وغير الحميمة بين عائلة الملك فيصل وعائلة الملك علي والتي كانت سببًا لتجاهل الحديث عن عائلة الأمير محمد.

حيث يتضح لنا بان الأمير محمد كان يحاول الابتعاد قدر الإمكان عن الأضواء الرسمية بدليل أنني لم أعثر إلا على صورتين له، إحداهما بالأبيض والأسود، كما تأكدت بأن الصلات كانت مقطوعة تمامًا بينه وبين بنت عمه الأميرة بديعة، ومن المؤكد وجود ما يشبه القطيعة لأن الأمير محمد كان لا يزال على قيد الحياة في أثناء ظهورها في حلقات بالقناة التلفزيونية.

إنني وإذ أكتب عن هذه التفاصيل أحاول أن أصل إلى نقطة مهمة وهي السبب الحقيقي لمحاولة التعتيم الإعلامي الذي أحاط بشخصية مميزة كالأمير محمد، وخاصة أنه أصبح من رجال الفكر والمعرفة والثقافة على المستوى العالمي.

والسؤال الآن: من هي الجهات المسؤولة التي تعمدت إخفاء بعض أسرار العائلة المالكة وبالأخص سيرة الأمير محمد بصورة كبيرة؟

الجزء الثالث من المقال سيكون عبارة عن حديث مطول عن الأميرة العراقية صاحبة السمو الملكي الدكتورة نسرين الهاشمي، والتي زارت العراق وأجرت معها قناة العراقية مقابلة تحدثت بها عن بعض جوانب حياة أسرتها وحياتها.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس