زهير سالم - مركز الشرق العربي

واختلف الناس في "تقدير" اتفاق بوتين - أردوغان الذي أمضي في موسكو في الخامس من شهر آذار الحالي. وكان السوريون فيه أشد اختلافًا. وربما قادهم الاختلاف حسب العادة إلى شيء من التراشق أو التنابذ..

وربما يكون اختلاف الناس فيما ينتظرونه من الاتفاق كلٌ على خلفيته، أو مبلغ علمه، هو السبب الأكبر في الاختلاف، وليس تقدير الاتفاق بحد ذاته..

إنه حين يقول قائل: إن الاتفاق كان انتصارًا للدبلوماسية التركية، وللرئيس رجب طيب أردوغان؛ سيكون قد أخذ الأمر من زاوية انتصار أردوغان على محاولة أطراف دولية وإقليمية عديدة حشره مع الدولة التركية في مستنقع الحرب. الحرب التي ستعني بكل وجوهها حربًا مع الروس بالدرجة الأولى. وقد كان الرئيس أردوغان يدرك ذلك، ولقد كرر أكثر من مرة "لن تحشرونا في الزاوية" "ونحن لا نريد حربا مع الروس".. إذن لقد انتصر أردوغان بعد أن لقن عصابة الأسد دروسًا مؤلمة، وثبت إنذاره الذي ارتبط بالأول من آذار، في تجنب الحرب مع الروس التي أراد أن يورطه فيها كثيرون منهم ترامب وإيران ودول الإقليم وبشار الأسد نفسه.

ولقد حاولت الدبلوماسية التركية على مدى أسابيع إيجاد منافذ أخرى لتلافي الموقف الضنك، ولتحقيق توازن أكبر؛ ولكن كل المحاولات لإدخال مؤثرين جدد على المعادلة في الشمال السوري لم تجد نفعًا، فلم يجد الرئيس أردوغان عند ترامب ولا عند الاتحاد الأوربي أي موقف ذي جدوى يمكن أن يعتمد عليه، في الدفاع عن موقفه أولًا، أو عن ملايين السوريين المستهدفين في إدلب ثانيًا .

 حتى قومنا العرب كانوا مصطفين وراء بوتين في محاولة إحراج الرئيس التركي، وإظهاره أمام الجماهير المؤملة فيه بمظهر العاجز، أو دفعه إلى مستنقع الحرب مع روسية، وما الحرب إلا ما قد علمتم وذقتم.

وفي تعريجة بسيطة على تقدير الموقف الموسوم بأنه عربي، لنا أن تتصور كم كان مستفزًا للزعامات العرب، مشهد الجماهير السورية و اللبنانية التي خرجت تلوح بالأعلام التركية فرحة بالانتصارات التي حققها الجيش التركي مع حلفائه من الثوار السوريين، ضد العصابة الأسدية. هذا المشهد بحد ذاته كان كفيلا بأن يملأ قلوبًا بالغيظ، ويشعر المدعين بالخزي .

إذن لقد كان الاتفاق بين بوتين وأردوغان هو اتفاق "الضرورة" هو اتفاق "درء المفسدة الأكبر". وحتى المصالح التي تحققت للدولة التركية، قد لا ترقى إلى الأمل والمطلب التركي. ولكنها الممكن الظرفي، والسياسة فن الممكن كما يقولون.

فالقول إن الاتفاق كان نصرًا دبلوماسيًا ظرفيًا قد يشكل فهمه على من يريد أن يفهم من العبارة على أنه انتصار المعتصم في عمورية، الذي قال أبو تمام فيه:

فتح الفتوح تعالى أن يحيط به.. نظم من الشعر أو نثر من الخطب

نعم لم يكن الاتفاق فتح الفتوح ولكنه كان ربما انتصار ابن الوليد يوم تسلم الراية بعد سيدنا عبد الله بن رواحة.

نعود فنقول: لقد كان الاتفاق بين بوتين وأردوغان، اتفاق الضرورة، لدرء المفسدة، والخروج من الزاوية، التي شاركت كل الأطراف الدولية والإقليمية لحشر الدولة التركية فيها وهو بهذا المعنى انتصار للسياسة التركية وللرئيس رجب طيب أردوغان.

وعلى الضفة السورية..

وأكبر ملاحظة تسجل في هذا السياق على الضفة السورية هي استقالة القيادات السورية المعارضة جميعًا من ساحة الفعل السياسي والثوري. وتخليها عن كل الأوراق، واعتبارها الآخرين وكلاء قرار وإجراء وتنفيذ..

نتفهم بكل الدوافع الإنسانية أن يعلق المستضعفون الخائفون من نساء سورية وأطفالها أنظارهم بالرئيس أردوغان، فذلك تعلق ذو طبيعة إنسانية أن يكون الرئيس الإنسان المسلم موضع الأمل ومحط الرجاء.. وهو تعلق يحمّل عبئا أكثر مما يعطي دعمًا!!

ونتفهم أن تمضي بعض الفصائل في الشمال السوري اتفاقات وتحالفات مع الدولة التركية على قواعد التعاون والتناصر. ونرد على كل الذين يعترضون على مثل هذا بترداد عبارات من الزمان الأول؛ لماذا يحق لبشار الأسد أن يستعين بميليشيات حزب الله وأبو الفضل العباس والحشد الشعبي والزينبيين والفاطميين والفاغنر الروسي بل والجيشين الروسي والإيراني ولا يحق لسوري مستضعف أن يستعين بجاره في التصدي للظلم ورد العدوان..؟!

ولكن الذي لا نتفهمه أبدًا، والذي لم نكن نتصوره أبدًا أن تفقد قيادات المعارضة السورية رؤيتها لمستقبل سورية، وأن تفقد مشروعها الاستراتيجي للساحة السورية أجمع، وخططها اليومية للتعامل مع المتغيرات والمستجدات بأبعادها كافة. وإذا جاز ليتيم سوري ولأرملة سورية أن يأملا أو يرجوا الرئيس رجب طيب أردوغان.. فإن مما يعيب أهله ويشينهم أن يجد الإنسان في كل يد تمتد لمساعدته وسادة ينام عليها، ولو كانت هذه اليد يد الرئيس أردوغان، وحتى لو كانت هذه اليد يد غير بيدرسون نفسه "أيقظ نديمك قد نعسا" بل قد شخر ونخر .

وإذا كان الاتفاق الروسي التركي هو اتفاق الضرورة بالنسبة للدولة التركية، ولدرء المفاسد عن تركية؛ فإننا نقول إن الاتفاق بالنسبة للسوريين في حقيقته هو حلقة من حلقات أستانا وسوتشي، هو حلقة من حلقات خفض التصعيد منذ حلب ومرورًا بأخواتها. وعندما أهبنا بالناس قبيل سقوط حلب وبعدها أن هبوا، قال قائلون كثر مني بني جلدتنا "وماذا تكون حلب" ومن جلدة غيرنا "وات إز ذيس حلب"؟؟ واليوم نقول إن كل موضع حجر في الشمال السوري المستهدف هو بثقل حلب في ذلك اليوم.

وكل الذي نستطيع أن نؤشر عليه هو أن الاتفاق الجديد قد قدم للثوار السوريين فرصة لالتقاط الأنفاس، مساحة أطول للتفكر والتدبر المتسارعين وليس على التراخي.

الاتفاق لم يقدم للسوريين غير هذه المساحة، أمن موقوت محدود وسط حزمة من الأعداء المتربصين. ولا بد، لمن تصدر، من أخذ زمام المبادرة، والاستفادة من الفرصة المتاحة، لالتقاط رأس الحبل واستعادة الأوراق، والتفكير الكلي في المشهد السوري وعلى كل المستويات، وليس في مشهد الشمال والجنوب وإدلب وحوران.
وفي حلب يومًا أزهرت على لسان أبي فراس جدلية: الصدر والقبر..

في رؤيتنا الملخصة لاتفاق الضرورة الروسي - التركي

نتفهم الاتفاق في إطاره الظرفي، ونعتبره انتتصارًا للسياسة التركية، للخروج من الزاوية وتجاوز الخذلان الدولي والإقليمي على السواء.

ونرى في الاتفاق فرصة مضيقة للسوريين لكي يبادروا، فيتولوا أمر ثورتهم، وقضيتهم وقرارها، ولكي يقلبوا على المحتل الروسي مؤامرته..

ننكر على الموقف الأمريكي تشاغله عن الأوضاع الإنسانية في سورية، وتواطئه مع بالمطلق مع الحل البوتيني. ولكن لفتنا بطريقة إيجابية الرفض الأمريكي لإعطاء اتفاق الضرورة الروسي التركي شرعية دولية.

والله بيننا وبين الذين تولوا أمر هذه الثورة ثم غفلوا عنه..!!

أيها السوريون: قضيتَكم..قضيتَكم لا تضيعوها، دماء شهدائكم لا تفرطوا بها..

ومن حوران حتى حلب والقامشلي سورية حرة وشعب سيّد، بإذن الله لن ينكسر.

عن الكاتب

زهير سالم

مدير مركز الشرق العربي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس