د. علي حسين باكير - العرب القطرية

توصّلت كل من تركيا وروسيا الأسبوع الماضي، إلى اتفاق حول إدلب، وذلك بعد مفاوضات استمرت حوالي 6 ساعات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتن، بحضور الوزراء المعنيين من الطرفين، نصّ الاتفاق على إنشاء ممر آمن عرضه 6 كم شمالي الطريق الدولي «أم 4»، و6 كم جنوبي الطريق، ووقف الأنشطة العسكرية كافة على طول خط التماس في منطقة خفض التصعيد، وتسيير دوريات تركية وروسية مشتركة اعتباراً من 15 مارس، على امتداد الطريق «أم 4» بين منطقتي ترنبة غرب سراقب وعين الحور.

ووافق الطرفان أيضاً على جعل الاتفاق ملحقاً إضافياً من اتفاق سوتشي، وهو ما يعني أن الأخير لا يزال الأرضية التي يتم الاستناد إليها في تصورهما للوضع في إدلب، لكن باستثناء وقف إطلاق النار، لا تعكس تفاصيل الاتفاق وجود تفاهم بين الطرفين، إذ إن الفجوة في المواقف لا تزال عميقة كما أن الملفات الخلافية الأساسية التي أدّت إلى اندلاع الأزمة الأخيرة لا تزال قائمة على حالها.

لا يوجد في الاتفاق ما يمنع نظام الأسد من القيام بما كان يفعله منذ ما يزيد عن عام، أي أن يكسب بعض الوقت، ويقوم بإعادة ترتيب أوراقه، ومن ثمّ ينطلق مجدداً بدعم روسي وإيراني لقضم مزيد من الأراضي، بذريعة محاربة الإرهاب، صحيح أن وجود قوات تركية قد يعرقل مثل هذه المهمة مستقبلاً، ويحمي إلى حدٍّ ما باقي إدلب، إلا أن هذه القوات لا تستعيد ما فُقد خلال الهجوم الأخير لنظام الأسد وحلفائه، كما أنها لا تمنع بشكل نهائي تكرار سيناريو الصدام مستقبلاً.
من هذا المنطلق، وما لم يكن هناك شق غير معلن من الاتفاق بين الجانبين، فإنّ ما جرى يعكس موازين القوى بين روسيا وتركيا، وحدود قدرة أنقرة على تثمير الموقف العسكري ضد نظام الأسد إلى مكاسب سياسية على الأرض، في ظل غياب دعم حقيقي من الحلفاء، سواء من الولايات المتحدة الأميركية أم حلف شمال الأطلسي «الناتو» أم الاتحاد الأوروبي.

لم تستطع روسيا فرض كل ما تريد على تركيا، ولم تستطع أنقرة بدورها أن تفرض كل ما تريد على موسكو، أوقف الجانب التركي حالياً تدفق مزيد من النازحين واللاجئين جراء العمليات العسكرية لنظام الأسد وحلفائه ضد المدنيين في إدلب، لكنه لم يستطع استعادة المناطق التي فُقدت أو تحرير نقاط مراقبته.

وفي الوقت الذي سيطالب فيه الأتراك روسيا وحلفاءها بالالتزام بالوضع القائم وفق المادة الأولى والثانية من اتفاق سوتشي، فإن الروس سيطالبون تركيا بالعمل على محاربة الإرهاب وفصل المعارضة المعتدلة عن المتطرفة، هذا يعني أننا لا نزال ندور في الدائرة المفرغة نفسها، ولذلك كان لافتاً أن تتم الإشارة إلى قرار مجلس الأمن رقم 2254 في نصّ الاتفاق، وهو ما يعني أن أنقرة تريد أن ترى تقدماً في المسار السياسي، مقابل ما تحصل عليه روسيا من هذه الاتفاقات. لكن من دون وجود موقف دولي، سيبقى الخلل في الموقف التركي قائماً في مواجهة روسيا وإيران ونظام الأسد مهما بلغت قوته، وهو ما يعيدنا إلى لب المشكلة الأساسية، ضرورة وجود موقف أميركي وأوروبي داعم على الأقل فيما يتعلق بتطبيق القرارات الدولية، وهو موقف متاح، ومن الممكن العمل عليه، على قاعدة المصالح المشتركة.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس