باسل بن محمد - خاص ترك برس

تمكن العثمانيون مرة أخرى من دخول صنعاء سنة 1849 م دون مقاومة تذكر، ساعدهم في ذلك الإمام محمد بن يحي  الذي لقب لاحقاً "بحسين باشا" كناية بتبعيته للدولة العثمانية، والذي استقبلهم على حدود تهامة، غير أن هذه الحملة لم تتمكن من السيطرة الفعلية على صنعاء وإقامة حكم عثماني مستقر فيها، حيث استطاع منافسه على الإمامة علي بن المهدي أن يجمع حوله عدد كبير من رجائل القبائل اليمنية ويحرضهم على مهاجمة صنعاء فانهمرت سيول القبائل اليمنية على مدينة صنعاء من كل جانب وضاعف حماسهم ما كان ينتظرهم من المغانم داخل المدينة فاكتسحوا التحصينات وأبادوا معظم رجال الحامية العثمانية وقد انتهت تلك الأحداث بخروج العثمانيين من صنعاء وانسحابهم إلى الحديدة.

الأوضاع في اليمن قبل الوجود العثماني الثاني  1872-1911

لم تكن أوضاع اليمن قبل عام 1872 م بأحسن حال عما كانت عليه قبل التواجد العثماني الأول عام 1539 م حيت كانت الأوضاع غير مستقرة والتهديدات الخارجية الأجنبية مستمرة في البحار والمضائق والسواحل، كما كانت الأوضاع الداخلية كذلك مضطربة خاصة في المناطق الجبلية الخاضعة لحكم الأئمة الزيديين. إن من بين أهم العوامل التي ساعدت العثمانيين على العودة إلى اليمن مرة أخرى ومكنتهم من دخول صنعاء وإقامة الحكم الثاني سنة 1842 كان قيام بعض الأئمة الزيديين ومعهم بعض علماء اليمن بالاستنجاد بالسلطان العثماني عبدالعزيز لسياعدهم على إقرار الأمور في اليمن بعد أن عمت الفوضى وخرجت الأمور عن السيطرة أثناء فترة حكمهم الذي شهد تصارعاً على الحكم ودعوة الإمامة، فشهدت اليمن اضطرابات واسعة انهارات معهم كل مقومات الدولة، وطالبت بعض المناطق بالاستقلال، واستغل ذلك الوضع الاستعمار البريطاني وعمق الصراع، وعقد مع بعض السلاطين اتفاقيات تجارية، واستطاع البريطانيون في خضم تلك الصراعات الاستيلاء على مدينة عدن لموقعها الاستراتيجي الهام، ومد نفوذهم إلى المناطق التي سميت "بالنواحي التسع" وإعلان سلاطينها قيام سلطنيات ومشيخيات مستقلة عن بعضها البعض وعقد البريطانيون معها اتفاقيات حماية.

لقد كان الصراع الدموي بين الأئمة الطامعين على منصب الإمامة هو النمط  السائد في في تولي الحكم حيث ظلت الإمامة الزيدية في الشمال تواصل جهودها لتؤكد "حقها المقدس" في الحكم، ومنذ وصول العثمانيون اليمن في مطلع العصور الحديثة قامت بينهم وبين الأئمة الزيديين حروب كثيرة ومواجهات مستمرة. 

الأسباب التي دعت الدولة العثمانية للعودة إلى اليمن 1872-1911م

أمام حالة الفوضى التي سادت في عهد الأئمة ساءت أحوال اليمنيين وزادة حدة الاضطرابات وخرجت الأمور عن السيطرة وعمت الفوضى، عندها اقتنع الجميع أنه لا بد من وجود قوة قادرة على حكم الجميع تكون من غيرهم، تضمن لهم إعادة الاستقرار وضبط الأمن، وبعد أن تأكد للأئمة أن المواطنين قد سحبوا منهم الثقة ويسعون لطلب عودة العثمانيين لحكم اليمن، ما كان من بعض علماء وأعيان صنعاء إلا التشاور وعقد اجتماع لتدارس هذا الأمر، في هذه الأثناء كانت هناك قوة عثمانية ضخمة في طريقها إلى سنجاق عسير لقمع تمرد محمد العسيري، وبعد تمكن هذه القوة من قمع تمرد العسيري، زال خوف اليمنيين وأصبحوا أكثر إصراراً وقناعة في مسألة إرسال طلب للعثمانيين لإرسال قوة لتحقيق الأمن والاستقرار في اليمن.

من بين الأسباب أيضاً التي اضطرت  الأتراك العثمانيين إلى حكم اليمن مرة أخرى، هو محاولتهم ملء الفراغ الذي خلفه جلاء القوات المصرية عن الجزيرة العربية ليحولوا دون توسع نفوذ البريطانيين الذين سيطروا على عدن سنة 1839 م والذين لم يقتنعوا بعدن بل أتبعوا ذلك بعقد سلسلة من المعاهدات والاتفاقيات مع حكام الإمارات والمشيخات المجاورة ليربطوهم بعلاقات ودية مع بريطانيا ليكّونوا  لهم منطقة نفوذ حول عدن للسيطرة عليها، حيث عقد الكابتن هينس أول وكيل سياسي لبريطانيا في عدن مع سلطان لحج ثم أعقبها عدة اتفاقيات مع رؤساء قبائل الصبيحة، الفضلي، يافع،الحوشبي ..ألخ وكانت هذه الإتفاقيات بمثابة النواة التي نمت حولها بالتدريج ما يسمى "بمحمية عدن البريطانية" وأمام هذه التحديات و المناشدات وصلت القوة العثمانية إلى صنعاء ودخلتها في شهر صفر 1872 م بدون حرب، بقيادة مختار باشا الذي فتحت له أبواب صنعاء من جميع الجهات حيث تمكن من تأمين نفوذه على معظم اليمن آنذاك، وكانت هذه الحملة بقيادة وحنكة القائد احمد مختار باشا بالتنسييق المسبق مع الإمام الهادي غالب بن محمد والشيخ محسن معيض.

الفترة الثانية ( فترة التوسع والبناء) 1872-1889م

مع دخول القوات العثمانية اليمن في هذه الفترة بدأت الإدارة العثماية بسن التنظيمات وإدخال الآلات والأجهزة وأنشأت بعض المشاريع الضرورية كشق الطرقات وبناء القلاع والمباني الرسمية، كما أنها استحدثت أنظمة لم تعهدها اليمن من قبل كنظام المحاسبة المالي والإداري والضبطية المحلية وغير ذلك، كما تم في هذه الفترة تنفيذ العديد من المشاريع المهمة كان منها ترتيب الاوضاع الإدارية في صنعاء كعاصمة، كما أقامت العديد من المشاريع التنموية والصناعية والعسكرية والزراعية والتعليمية التي لعبت دوراً هاماً في تحسين حياة اليمنيين والتي لا تزال شواهد تلك المشاريع قائمة حتى يومنا هذا.

اختلف التواجد الثاني للدولة العثمانية في المرحلة الثانية 1849-1918 م عن الوجود الأول حيث اضطرت في تواجدها الثاني إلى إدخال بعض النظم السياسية والإدارية وفقاً لضرورة المرحلة وظروفها وما رافق ذلك من مد وجزر مع الزعامات المحلية، مع محاولة الحفاظ على خصوصية اليمن في فكر الساسة والمشرعيين العثمانيين الذين تجاذبت أراءهم حول طريقة إدارة ولاية اليمن، تارة بربطها بمصر وتارة أخرى بربطها بالحجاز ومكة المكرمة، وذلك نظراً لبعدها ولصعوبة الوصول إليها لطبيعتها الجغرافية الوعرة.

استمرت هذه الفترة قرابة عشرين عاماً، استطاع العثمانيون خلالها القيام بإصلاح وترتيب وتنظيم ولاية اليمن وإعادة السكينة والاستقرار إليها، حيث نعمت اليمن باستقرار تام أثناء هذه الفترة، كما اتصفت قيادة المشير أحمد باشا بالحنكة الإدارية والسياسية والعسكرية.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس