د. سمير صالحة - تلفزيون سوريا

حاول بعضهم في قمة باليرمو الإيطالية قبل عامين تهميش الدور التركي ومنع أنقرة من حماية مصالحها في ليبيا وشمال أفريقيا وشرق المتوسط، فقررت الرد بتغيير جذري في سياسة واستراتيجية التعامل مع كل هذه الملفات.

هم يتهمون تركيا بالتدخل في شؤون ليبيا الداخلية، ولكن لا أحد يريد أن يتحدث عن حجم الدعم الذي يقدّم لمجموعات خليفة حفتر على المستويات العسكرية والمالية والسياسية من عواصم عربية وغربية عديدة.

يطالب البعض تركيا بالتوقف عن دعم حكومة شرعية معترف بها دوليا في ليبيا لكنه يتغاضى عن تقارير نشرتها الأمم المتحدة منذ كانون الثاني من العام 2018 تتحدث عن وجود مرتزقة تشادية وسودانية ونيجرية وروسية تقاتل الى جانب حفتر، غير إرسال السماسرة إلى دمشق والخرطوم للبحث عن المزيد من المقاتلين المراد إرسالهم إلى الغرب الليبي.

رغم إعلان حفتر التزامه بالهدنة المعلنة في آذار المنصرم، فهو وداعموه الإقليميين راهنوا على فرصة استغلال انشغال العالم بجائحة كورونا لاختراق أبواب العاصمة الليبية والسيطرة عليها. رد قوات حكومة الوفاق كان موجعا والدليل محاولة رمي الكرة في ملعب تركيا وبعض الدول الأفريقية.

المؤكد هو أن هزيمة مجموعات حفتر في المعارك الأخيرة غرب ليبيا سببها غياب الحجة القانونية والسياسية والشعبية في صفوف الليبيين التي كان البعض يروج لها لتعطيه حق محاصرة العاصمة واستهداف المدنيين هناك بالقذائف والصواريخ. تحولت العنتريات والتحديات في بعض وسائل الإعلام المساندة لحفتر حول أن القوات التركية الموجودة في ليبيا ستخرج مهزومة في صراع النفوذ هناك، إلى صم بكم بين خياري الصمت والتجاهل أو الحديث عن "الدواعش والمرتزقة السوريين الذين بعثهم أردوغان إلى ليبيا لمحاصرة أهل ترهونة". بين آخر المعلومات التي كشف المتحدث الرسمي باسم مكتب الإعلام الحربي لعملية "بركان الغضب" النقاب عنها والتي ستتفاعل إقليميا ودوليا سقوط قتلى في صفوف قوات حكومة الوفاق نتيجة استخدام ميليشيات حفتر لغاز الأعصاب المحرم دوليا في عملياتها القتالية على محاور جنوب طرابلس.

أنقرة ستستجيب لطلبات حكومة الوفاق والقوات المتحالفة معها بأسلحة هجومية متطوّرة، ومدفعية ثقيلة، بقدر ما يقدم بعض العواصم من دعم في السلاح والخبرات والتدخل المباشر إلى جانب حفتر. الواضح من خلال الرسائل والمواقف التركية الأخيرة أن أنقرة ستزيد من دعمها للحكومة الليبية، بحسب زيادة الآخرين من دعمهم للخارجين على الشرعية وتصعيدهم ضد الشعب الليبي. التساؤل الأهم بالنسبة للكثيرين كان حول احتمال حدوث التدخل الجوي العسكري التركي المباشر في معارك غرب ليبيا فجاءت الإجابة من خلال ترك الباب مشرعا أمام طلبات حكومة الوفاق واحتياجاتها عند الضرورة مع العلم أن الأمور تحت السيطرة اليوم.

أنقرة نجحت حتى الآن في:

- عرقلة محاولة فرض بعض العواصم نفسها على المشهد الليبي سياسيا ودستوريا وأمنيا من خلال تشويه الدور التركي هناك.

- واستطاعت إيصال رسالتها إلى هذه الدول أن حماية مصالحها في ليبيا مرتبطة بملفات إقليمية شرق أوسطية أفريقية. وأنها لن تقبل بصفقات يحاول بعض العواصم العربية عقدها مع دول غربية لتسليمها ليبيا على حساب إبعاد تركيا من المنطقة.

- وأن خطط إفشال العقود التركية الليبية المائية والأمنية مستحيلة خصوصا وأن من يعترض عليها لا علاقة له بها وليس طرفا متضررا منها.

- وأن محاولات القاهرة المساومة على الملف الليبي من خلال صفقات إقليمية ودولية يعني التصعيد الإقليمي الأوسع الذي قبلت أنقرة التحدي فيه من خلال أكثر من رسالة سياسية وأمنية واقتصادية في شرق المتوسط وشمال أفريقيا. إلى جانب الالتزامات التركية السياسية والأخلاقية والإنسانية حيال الشعب الليبي هناك مصالح تركيا المرتبطة مباشرة باستراتيجيتها الأمنية والاقتصادية في شرق المتوسط، وحماية التوازنات التي لن تسمح أن تكون على حسابها في المكانين.

- وأن هزيمة بعض العواصم على مداخل العاصمة طرابلس وفشل رهانها على مجموعات حفتر بعد أشهر من محاصرة الليبيين واستهدافهم ورغم كل السلاح والمرتزقة والدعم الذي تقدمه لا بد أن يدفعها لقبول واقع جديد غير ما تقوله وتريده.

الإعلام المحسوب على حفتر عربيا وخليجيا والذي كان يردد قبل أسابيع أن "أردوغان يبحث عن هزيمة جديدة في ليبيا بعد أن حشد المرتزقة من كل مكان للسطو على النفط الليبي "وأن" محاولات صد التقدم الزاحف نحو تحرير العاصمة طرابلس باستخدام طائراتهم المسيرة، ولكنها تتهاوى كطائرات ورقية أمام دفاعات الجيش الوطني الليبي "عاد وبدل رأيه في تحميل المرتزقة التي تقاتل إلى جانب قوات الوفاق في إلحاق الهزيمة بقوات حفتر في غرب ليبيا.

قرار البرلمان التركي الذي صوّت لصالح إرسال قوات تركية إلى ليبيا في 2 كانون الثاني الماضي بعد أن وقّع الجانبان، التركي والليبي، مذكّرة تفاهم تُحدَّد بموجبها المجالات البحرية في البحر الأبيض المتوسط، والخطة التي أعقبته بإرسال الدعم العسكري لحكومة الوفاق الشرعية، ساهم في تعزيز صمودها ثم في قلب المعادلات العسكرية الميدانية التي دفعت أنصار حفتر اليوم للحديث عن محاصرتهم في ترهونة التي انطلق البعض منها لمحاصرة العاصمة طرابلس.

تقارير إعلامية كثيرة تتحدث عن بروز فرص التعاون الإقليمي بين أنقرة والعديد من العواصم الأوروبية وفي مقدمتها روما وباريس وبرلين في ملفات شرق المتوسط والأزمة الليبية بعد الدعم التركي الواسع المقدم لهذه العواصم في زمن كورونا والذي قد يساهم في إبعاد سياسات حافة الهاوية التي تعتمدها بعض العواصم العربية والغربية في الملف الليبي خصوصا في إطار خطة «إيريني» التي أطلقها الاتحاد الأوروبي أخيراً لمراقبة تطبيق حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، والتي رفضتها حكومة الوفاق وتركيا لكونها لا تراقب عمليات وصول الأسلحة جواً وبراً إلى ميليشيات حفتر.

دخول تركيا إلى الساحة الليبية بثقل سياسي وميداني جديد اعتبارا من تشرين الثاني الماضي، قلب الحسابات والتوازنات هناك. المشكلة قد تكون مع حفتر في العلن لكن العقبة الحقيقية هي إصرار داعميه على تقديم الخيار العسكري لحل الأزمة الليبية. فهل تكون هزيمة غرب ليبيا فرصة لمراجعة سياساتهم وخططهم؟

كلم كلم لا ينفع. بعض الأصوات والأقلام متمسكة بالاصطفاف وراء مسلسل "إخوة التراب"، كجزء مهم من "معركة فضح الأهداف التركية ومطامع نظام أردوغان في المنطقة".

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس