بارتشين ينانتش - صحيفة حرييت - ترجمة وتحرير ترك برس

ما من شك في أن التطورات في سوريا خلال الأشهر الستة الماضية كان لها آثار إيجابية على علاقات تركيا والولايات المتحدة.

منذ أن اختارت إدارة أوباما التعاون مع ميليشيا ي ب ك في شمال شرق سوريا، أدى مسار العمل هذا، الذي واصلت العمل به إدارة ترامب، إلى تسميم العلاقات. ووفق أنقرة، فإن ميليشيا ي ب ك هي جناح حزب العمال الكردستاني غير الشرعي في سوريا، وهو ادعاء لم تعد تعترض عليه واشنطن.

تبرر الإدارة الأمريكية بأن ذلك لم يكن تعاونًا استراتيجيًا ولكنه تعاون تكتيكي محدود لقتال داعش، إلا أن ذلك أدى إلى تأجيج قناعة قديمة منذ عقود في أنقرة بأن الأمريكيين يسعون إلى إضعاف تركيا من خلال دعم "عدوها الوجودي".

إن عملية ربيع السلام التركية في الخريف الماضي في شمال شرق سوريا وقرار ترامب الذي أعقب ذلك بإخراج الجزء الأكبر من القوات العسكرية الأمريكية لم تضعف هذه الإدانة، بل أوقفت إلى حد ما المخاوف التركية بشأن الوجود الكبير لتنظيم البي كي كي على حدودها السورية.

كانت أنقرة سعيدة لرؤية الضربة النفسية والسياسية والعسكرية التي تلقاها البي كي كي في سوريا، حيث تم دفعهم بعيدًا عن الحدود وهم يشاهدون التوغل التركي بمشاعر خيبة أمل أجنبية. على أن هذا جاء بتكلفة لتركيا من حيث التعاطف الإضافي مع "الأكراد" في الرأي العام الدولي والعقوبات الإضافية من الولايات المتحدة.

حاليا، يبدو أن تركيا والولايات المتحدة أقاما علاقة عمل في شمال شرق سوريا. وفي النهاية اعتادت أنقرة على الألعاب الأمريكية المزدوجة. وفي حين أن العاصمتين لن تعلنا عن ذلك، فلا شك أن الضربات التركية  لأهداف البي كي كي في شمال العراق تجري بمعلومات استخبارية قابلة للتنفيذ من الولايات المتحدة.

وفي حين تطور الوضع في الشمال الشرقي لصالح علاقات تركيا والولايات المتحدة، حدث العكس تماما في شمال غرب سوريا من حيث العلاقات مع روسيا.

تطورت الأمور تطورا خطيرا للغاية مع مقتل 33 جنديًا تركيًا في محافظة إدلب بنيران قوات بشار الأسد. أنا متيقنة من أن أنقرة مقتنعة بأن هذا لم يكن ليحدث بدون مباركة روسيا.

في حين أن المحادثات التي تلت ذلك بين الجيش الروسي والتركي عقدت خلف أبواب مغلقة، كان من الواضح حتى بالعين المجردة أن أنقرة كانت منزعجة للغاية من تعنت الروس. لم يقتصر الأمر على اعتذارهم، بل على العكس من ذلك، فقد بدا أنهم راضون عن الصدمة التي سببها موت الجنود الأتراك وبدا أن  أملهم في أن يؤدي ذلك إلى جعل مطالبهم المتعلقة بإدلب مقبولة من أنقرة.

يبدو أن التوتر تحت السيطرة منذ الاجتماع الذي عقد بين الرئيسين التركي والروسي في 5 آذار/ مارس، على الرغم من وجود صعوبة فيما يتعلق بتنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه خلال ذلك الاجتماع. ومع تضارب المصالح، ستستمر قضية إدلب تسبب صداعا حقيقيا بين أنقرة وموسكو.

يمكن للمرء أن ينسب قرار تركيا بتأجيل تفعيل الصواريخ الروسية S-400 إلى التراجع في العلاقات مع موسكو. ولكن كانت هناك شائعات بالفعل بأن قرار التأجيل قد نضج في الشهرين الأولين من العام. إن إدراك أن ترامب قد لا يمنع تنفيذ العقوبات التي أعدها الكونغرس الأمريكي، إذا فعلتها تركيا، وأن العقوبات ستزيد من تدهور الاقتصاد، الذي كان يدق أجراس الإنذار بالفعل، يجب أن يكون أحد العوامل المحددة الرئيسية.

لا شك أن تدهور الوضع في إدلب ربما يسّر اتخاذ القرار بشأن S-400. لكن لا تحسنوا الظن، فإن موت الجنود الأتراك سيكون له عواقب أعمق بكثير على العلاقات التركية الروسية، حيث ترك ذلك ندبة عميقة للغاية خاصة بين الرتب العسكرية. ومع ذلك لا ينبغي للمرء أن يتوقع أن تسوء العلاقات، إذ تدرك أنقرة حقيقة أنها يجب أن تعمل مع روسيا إذا كانت تريد أن ترى نوعًا من الحياة الطبيعية في سوريا. وستظل روسيا أيضًا على استعداد لأن تبقى شريكا تجاريا مهما للغاية لتركيا.

على المدى القصير، لن يكون من المفاجئ أن تتحسن علاقات تركيا مع الغرب، ليس فقط لأن محنة إدلب زادت من قيمتها كممثل موازن ولكن أيضًا بسبب الصعوبات الاقتصادية للبلاد التي من المتوقع أن تتفاقم مع جائحة كوفيد 19. وعندما تكون تركيا في حاجة عاجلة إلى العملات الأجنبية، لن تتجه إلى  موسكو التي تواجه صعوباتها الخاصة مع انخفاض أسعار النفط، ولكن إلى العواصم الغربية.

في حين أن جزءًا من الجليد ذاب مع الولايات المتحدة بسبب سوريا، فإن غياب تأكيد أكثر إلزامًا بأن S-400 لن يتم تنشيطها، يجعل من تلك القضية قادرة على منع أي انفتاح اقتصادي من الجانب الأمريكي. وفيما يتعلق بأوروبا، فسوف نرى ما إذا كان الهجوم السحري للإمدادات الطبية سيحدث أثره.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس