د. سمير صالحة - تلفزيون سوريا

خيبة الأمل التي يعيشها المشير خليفة حفتر ومجموعاته لخصها لنا الناطق باسم "القيادة العامة للجيش الليبي" اللواء أحمد المسماري، على الشكل التالي: المشير حفتر وشركاؤه تعرضوا لضغوطات إقليمية ودولية من أجل الانسحاب من غرب ليبيا وهم أجبروا على فعل ذلك. وقوات حفتر لم تتمكن من الصمود في مواجهة المسيرات التركية في أجواء غرب ليبيا التي لم تتركها بأمان حتى وهي تنسحب. وهناك في حلف شمال الأطلسي من خان العهد ودعم تركيا في تحركها العسكري بالتنسيق مع قوات الوفاق والزمن هو الذي سيكشف عن هؤلاء. ومعركة "الجهاد المقدس" لم تنته لأن المرحلة المقبلة عنوانها "لا يحك جلدك مثل ظفرك".

نقاط كثيرة أشار إليها المسماري وتحتاج إلى توضيح وتفصيل حول من هي الجهات التي ضغطت لإفشال معركة تحرير طرابلس التي أعلن انطلاقتها قبل أكثر من عام دون نتيجة؟ من هم "الخونة" الذين تآمروا على حفتر داخل حلف الأطلسي وتركوه في منتصف الطريق منحازين إلى الجانب التركي؟ أين كان حلفاء حفتر الذي دعموه وخططوا له وأطلقوا يده في القاهرة وأبوظبي وباريس عندما تحرك البعض إقليميا ودوليا لإيقاف مشروعه؟ ما الذي قالته له القاهرة التي اكتفت بمتابعة قوات حليفها تنهار وتستسلم وتترك المدن والقواعد العسكرية وكل السلاح الحديث المقدم لها يسقط بيد قوات الوفاق؟ هل بطل المرحلة المقبلة في بنغازي سيكون عقيلة صالح مثلا الذي كان أكثر واقعية وعملية وانفتاحا على الحوار الليبي الليبي؟

لا يمكن لحفتر أن يرمي الكرة في ملعب الأتراك ويحمل الطائرات المسيرة التركية مسؤولية الهزيمة:

هناك عواصم ودول ومراكز قرار تبحث عن مصالحها في شمال أفريقيا وشرق المتوسط. 

وهناك من خدع حفتر وقواته من الداخل والخارج. باريس مثلاً التي قادت الاصطفاف الخماسي في القاهرة ضد تركيا رغم معرفتها بحجم التنسيق والتفاهمات الثلاثية التركية الأميركية الروسية.

 كذلك هناك من لم تعجبه قرارات المشير الأخيرة بتحدي اتفاق الصخيرات وإعلان نفسه حاكما وحيدا على ليبيا بقرار ذاتي.

وهناك أيضا من أغضبه ضغوطات حفتر على شريكه في السلطة عقيلة صالح ورفضه لمبادرة الأخير التي أعلنها كصيغة تسوية جديدة بين الليبيين.

لا بل هناك من قرر سحب وحدات "فاغنر" من المعارك في إطار تفاهمات روسية تركية وإقليمية ربما قلبت كل حسابات حفتر وخططه ورغبته في الدخول إلى العاصمة الليبية رأساً على عقب.

وهناك من أعطى الأوامر لقوات حفتر بالانسحاب رغما عنه وترك الأطنان من الأسلحة الثقيلة والآليات والذخيرة والعتاد في صناديقها هدية لحكومة الوفاق قبل المغادرة حتى ولو كان عنوان التراجع بالنسبة للمسماري هو "الانسحاب التكتيكي" بطلب دولي.

حفتر يعرف أنه يدفع ثمن محاولته عزل تركيا في ليبيا وشمال أفريقيا بتوجيه من بعض حلفائه الإقليميين مثل مصر والإمارات وفرنسا لكن الأمور وصلت إلى طريق مسدود عندما قررت روما وتل أبيب ولندن الابتعاد عن المشروع وتغيب الجميع عن قمة القاهرة الليبية الأخيرة. وأنه يتحمل مسؤولية إغضاب موسكو التي دعته لطاولة حوار مشتركة مع السراج بحضور أردوغان قبل أشهر فقرر المغادرة وقلب الطاولة وعرض عضلات مسيريه بتوجيه ورعاية مصرية إماراتية أوصلته إلى خيبة الأمل هذه. وفات المشير أن المواجهات في ليبيا لم تعد مواجهة تعني الليبيين وحدهم طالما أن الطاقة والتجارة وترسيم الحدود وتحريك أحجار النفوذ والمصالح هي التي تهمين على المشهد. وأن واشنطن لن تسمح له بالتفاهم هو وشركاؤه مع موسكو على حساب مصالحها وهي قادرة على نسف كل هذه الخزعبلات بتفتيت الموقف الأوروبي واختيار الجانب التركي في المنازلة. ردد حفترعشرات المرات أن المعركة هي مع الأتراك لكنه اكتشف اليوم أنها معركة التحقت بها عواصم غربية وإقليمية تدعم ما تقوله أنقرة التي تقود عملية حماية وحدة الأراضي الليبية في هذه المرحلة. اليوم أعلن المسماري عن تراجع القوات 60 كلم على كل الجبهات الغربية، يبدو أن عليه التحضير منذ الآن لما سيقوله عندما تتوجه وحدات الوفاق إلى بني وليد وسرت.

بينما كان رئيس الوزراء الليبي فائز السراج يجري في أنقرة مباحثات ثنائية حول خطط التنسيق والدعم والإعداد للمرحلة المقبلة ميدانيا وسياسيا كان المتحدث باسم قوات حكومة الوفاق العقيد محمد قنونو، يعلن عن تحرير مطار طرابلس الدولي واسترداد مدينة ترهونة من المجموعات التابعة لقوات المشير خليفة حفتر وأن معارك استرداد كافة الأراضي الليبية مستمرة رغم معرفته أن ما جرى في غرب ليبيا كان دفاعيا هجوميا وأن الانتقال إلى معركة الوسط والجنوب سيكون هجوميا دفاعيا، مختلفا في أسبابه وأهدافه ولعبة التوازنات الإقليمية التي ستواكبه.

حفتر يغادر القاهرة محملا بخيبة أمل مصرية وإلا ما معنى "لن يحك جلدك مثل ظفرك" في هذه الساعات العصيبة التي يمر بها المسماري. احتمال أن يكون قد أبلغ بنصيحة التنحي والابتعاد لصالح عقيلة صالح. خطوة يقوم بها حفتر باتجاه آخر تعني المزيد من الاصطفافات الإقليمية التي ستكون مكلفة على الطرف الخاسر فيها، وحلفاء حفتر وعلى رأسهم فرنسا كانوا أول من تلقى الرسالة بعد الاتصال الهاتفي الأخير بين الرئيس الأميركي ترامب ورسائله الواضحة لنظيره الفرنسي ماكرون.

الخطوة المنتظرة من حفتر بعد الآن هي التنحي ببذلته العسكرية جانبا وترك المدنيين والسياسيين الحقيقيين في ليبيا يتحاورون بدعم إقليمي ودولي لإيجاد صيغة ملائمة لإنقاذ البلاد. هو لن يفعل ذلك حتما لكن النصيحة هي أن لا يغامر بالشعب الليبي وبلاده أكثر من ذلك وأن يقدم على خطوة انتحارية يدفعه إليها البعض بإعلان ولادة دولة شرق ليبيا وإقحام الجميع في مغامرة التقسيم والتفتيت لإحراق اللحاف من أجل بعوضة.

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس