جلال بكار - مدونات الجزيرة

لماذا يجب علينا أن نرتقي في مستوى الوعي واليقظة الاستراتيجية وما علاقة هذا بفشل أو نجاح الإنسان نفسه، ينبغي علينا قياس مدى علاقة مجريات الحياة في تحديد مستويات عيش الشعوب، خاصةً أننا وبعد جائحة كورونا نُعيد اكتشاف أنفسنا من جديد، وتيقنّا بحقيقة أن الحياة في الخارج لن تتوقف إذا توقفنا، والزمن لم ولن يتوقف بل نحن من توقفنا عن الإنتاج.

بل اقتصر الأمر عن قلة الرفاهية وبشكل إجباري متساوي مما أدى إلى خروجنا من داخل منطقة الراحة النفسية إلى التوجه مع مجرى الحياة الملموسة لدينا، وتقسّم الحال إلى من وجد طرق صنع الفرص والخروج من الأزمات ومن أصبح في منطقة المخاطر، بالنظر إلى أن أكثر من ثلثي الكوكب أصبح في مستوى واحد من حيث العملية الإنتاجية، وهذا ما تقاسمه معظم سكان الكوكب في ظل هذه الجائحة ومن ما شاهدناه من حالات الإفلاس وتسريح موظفين وإغلاق شركات.

بالمقابل شهدنا أيضًا ارتفاع قيمة بعض الشركات واحتياج عدد أكبر من الموظفين فقط على صعيد السلع الاستراتيجية حين اكتُشف مؤخرا أن الإنسان قد يشكل خطرًا على الإنسان الآخر أحيانًا في حال نقصت هذه السلع في منطقته، ومن هنا نرى كيف يُعيد الإنسان اكتشاف ذاته من خلال الأزمات فقط وما الذي يحتاجه وما هدفه ولماذا يسعى؟! وعندما أصبح القلق من المستقبل هو سيد الموقف انقسمنا إلى قسمين.

القسم الأكبر انتابه القلق مع التطورات والمشاكل سواء على المستوى الاجتماعي أو المالي والنفسي، أصبح غارقًا في التفكير بالمستقبل وحالة عدم اليقين بما يحدث وما سيحدث، وقسم مطمئن من عيشه واثق مما يمتلكه من نظام داخلي يبقيه ضمن دائرة الأمان حتى إن انقلبت من حوله جميع موازين الأرض وهذا ما يسمى باليقظة الاستراتيجية والبقاء بمسافة أمان عن الأزمات من خلال نظام داخلي يستطيع تقبل واحتواء المخاطر الخارجية رغم حدتها وصعوبتها وكيفية التعامل مع هذه الأزمات وخلق نظام داخلي يعطيه الوعي في جميع الحالات ومنها في حال الإنتاج ماذا سيخسر من الجهد وما هو المكسب المقابل وفي حال الاستهلاك والتسديد ما الذي سيكسبه فيما بعد.

أي هل يبدو حجم الجهد مساويًا لحجم النتائج أو النتائج أعلى من الجهد أو العكس، وأيضًا في حال الإنفاق ما الذي يكسبه المرء على الصعيد النفسي والمادي (المادي ليقنع العقل والنفسي لتقييم النتائج) وكم تحتاج الأجيال الشابة الحالية والقادمة للعلم وليس فقط المعلومة والمعرفة للوصول إلى مرحلة الحكمة للتصرف بذكاء في الأزمات، لأننا وببساطة أصبحنا في زمن تغلب فيه الأزمات عن الحلول لكن يبقى الفارق أننا كنا نعيش أزمات متفرقة كل منّا في زاويته، واليوم أصبح لدينا أزمة واحدة متساوية شَعر فيها الغني قبل الفقير، المرفّه قبل المعذّب.

وبما أن الجميع مستيقظ والقليل منا لديه اليقظة ستزداد الأمور سوءًا إن لم نتنبه لهذا المرض العضال في منطقة الشرق الأوسط وخاصة أن كثيراً من أصحاب القرار وبضمن استراتيجيتهم سوف يبقوننا في حالة ثبات بعيدًا عن يقظتنا وتطورنا.

إذا ماهي اليقظة الاستراتيجية وماذا نريد منها بالضبط؟ اليقظة هي من إحدى أهم العوامل الرئيسية للوصول إلى نظام يعمل على توفير حالة الاستقرار والثبات على صعيد الشخص والشركة والدولة، وهو يعزز العملية الإبداعية بمختلف أنواعها وإعطائها ثقل مباشر على كافة المستويات وإضافة الإبداع والتميز والريادة في مجال العلاقات والأعمال، وإعطاء الرؤية الصحيحة في ظل هذا العالم المشوّش ومن أهم ما تحققه اليقظة استباق المؤشرات لاقتناص الفرص والاستثمار بخطط زمنية، بناء على نظام الحوكمة الاقتصادية (السيطرة على مجريات السوق وتوزيع المعلومات والمعطيات في إطار شبكات المراقبة واكتساب القدرة على التفاعل في الوقت المناسب لضمان تمركز أفضل ربما ليس في القمة دائمًا بل في المكان الصحيح على الأقل).

عن الكاتب

جلال بكار

مستشار في قضايا الاستثمار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس