ترك برس-الأناضول

تعززت المكتبة الجزائرية بمؤلف جديد، للبروفيسور مصطفى خياطي، تحت عنوان "علي رضا.. الجزائري حاكم طرابلس" إبّان العهد العثماني.

والعمل يستحضر وينفض الغبار عن شخصية تاريخية جزائرية، لم تأخذ حقها في الإعلام وفي الكتب والدراسات والبحوث.

ومصطفى خياطي، طبيب وباحث وأستاذ بجامعة الجزائر، وشخصية شغوفة بالتاريخ، ولد بمحافظة تيارت، غربي الجزائر.

ولخياطي مؤلفات عدة، أبرزها تاريخ الطب في الجزائر من العصور القديمة إلى يومنا هذا (2003)، والمآزر البيضاء والثورة (2011)، وتاريخ الأوبئة والمجاعات والكوارث الطبيعية في الجزائر (2011)، والجزائريون ضحايا الإشعاعات النووية: جريمة دولة (2018).

** جزائري حكم طرابلس

ويتناول خياطي، مسيرة علي رضا باشا الجزائري (1820-1876)، الذي ذاع صيته بحنكته الدبلوماسية والقيادة العسكرية وحكمه لطرابلس في ليبيا، خلال العهد العثماني الثاني (1835-1912).

ويفرد الكتاب أيضا، مساحة لحياة والد علي رضا، حمدان بن عثمان خوجة (1773- 1842)، وهو كاتب وأستاذ للحقوق والقوانين الإسلامية، خلال الفترة العثمانية بالجزائر (1515-1830).

وامتد الوجود العثماني في ليبيا على مرحلتين الأولى (1551-1711) والثانية (1835-1912)، حسب المؤرخين.

الكتاب صدر في أغسطس/آب الماضي، باللغة الفرنسية، عن منشورات "آك.كوم" الجزائرية، في 120 صفحة من الحجم المتوسط.

** أغفلته كتب التاريخ

وفي تقديمه للعمل، كتب المؤلف: "أغفلت كتب التاريخ العديد من الشخصيات الجزائرية، التي ميزت القرن التاسع عشر، من بينهم، يجب أن نذكر علي رضا، نجل حمدان خوجة".

وقال خياطي، للأناضول، إنّه "حاول نفض الغبار عن جزائري، ذو مسار استثنائي في تاريخ البلاد، ولكن غير معروف عند عامة الناس".

وأضاف معرّفا علي رضا: "ولد في الجزائر العاصمة عام 1820، ودرس بالمدارس العسكرية الفرنسية حتى عام 1840".

واستطرد: "كان لعلي رضا مسيرة مشرّفة ورائعة، حيث تخرّج من المدرسة العسكرية بفرنسا وتحديدا بسان سير، ثم مدرسة المدفعية بميتز عام 1840".

وأشار خياطي، إلى أنّ "علي رضا انضم إلى الجيش العثماني برتبة لواء، وسرعان ما صعد في سُلّم الرتب حتى بلغ رتبة مشير عام 1860".

وفي الجيش العثماني، تقلد رضا مسؤوليات كبيرة، بينها دوره العسكري والدبلوماسي المهم في حرب القرم (1853-1856)، التي تواجهت فيها الدولة العثمانية وروسيا، حسب المؤلف.

ولفت إلى أن "علي رضا دافع (أيضا) عن مضيق سينوب (شمال تركيا)، جهة البحر الأسود، ضد البحرية الروسية.

** وظائف مدنية

وأوضح المؤلف، أنّ علي رضا شغل وظائف مدنية عدة، أبرزها محافظ بلغراد في صربيا، ووالي مدينة بروس في فرنسا، وواليا لطرابلس في ليبيا.

واعتبر أنّ "علي رضا بعد ولايته على طرابلس، برزت عبقريته وحنكته في الحكم، من خلال إجراءات الإصلاح الإداري التي باشرها آنذاك، إبّان العهد العثماني الثاني".

وذكر أنّ "طرابلس مدينةَ لهذا القائد والحاكم، كونه طور الإصلاح الإداري للمجتمعات المحلية، بإنشاء بلدية طرابلس، وتنفيذ إصلاحات إدارية وعمرانية واسعة، وإعادة تنظيم تعداد السكان، وحل أزمة مياه الشرب والنظافة والإنارة العمومية وغيرها".

وفي فترة حكمه لطرابلس، جرى افتتاح مدرسة للفنون والحرف، وأصبح التعليم إجباريا بالمدينة، ومختلف القرى التابعة لها، حسب الكاتب.

وعلى الصعيد السياسي والعسكري، "حافظ رضا على محافظة فزّان (جنوبي غربي البلاد) من أطماع فرنسا الاستعمارية، وسعى للصلح بين قبائل الطوارق (أمازيغ يستوطنون الصحراء الكبرى بالجزائر وليبيا ومالي)".

واعتبر خياطي أنّ علي رضا كان قائدا إستراتيجيا، لإدراكه أهمية الجغرافيا لبعض المدن الليبية، منها "بومبا وتوكرة وطبرق (شرقي البلاد)، وساحل برقة (شرق)، بعد افتتاح قناة السويس (شُيّدت عام 1859)، كما وضع حدا لخطة الاستيطان الاستعماري".

** علي رضا الكاتب

لم يكن علي رضا قائدا عسكريا وسياسيا فقط، بل كانت له كتابات ومؤلفات، فبعد وفاته عام 1876 صدر له كتاب "مرآة الجزائر"، باللغة العثمانية (اللغة التركية القديمة).

وتناول الكتاب، تاريخ الجزائر قبل العهد العثماني (1515-1830)، والمقاومة الشعبية ضد المحتل الفرنسي بين عامي 1830 و1847، حسب مراجع تاريخية.

وصدر لعلي رضا أيضا، باللهجة المحلية الجزائرية (الدارجة)، مؤلف بعنوان "تذكارات من رحلة إلى قسنطينة"، تمت ترجمته إلى اللغة الفرنسية.

وفي دراسة تحليلية للكاتب الجزائري خير الدين سعيدي، حول كتاب "مرآة الجزائر" قال: "توجد بعض المصادر في تاريخ الجزائر فُقِدت أُصولها، فيما بقيت نُسخها موجودة في لغات أخرى، غير اللغات الأصلية التي كُتبت بها".

وأضاف سعيدي في الدراسة التي نشرها عام 2018 بمجلة العلوم الاجتماعية بجامعة سطيف 2 (حكومية)، أنه "من بين المصادر التي عالجت هذا الأمر، كتاب مرآة الجزائر، لعلي رضا باشا، إذ نقف عليه باللغتين العثمانية والتركية، بينما لا نكاد نقف له على ذكر باللغة العربية".

وحسب سعيدي، فإن "هذا السبب أدّى إلى بقاء هذا المصدر (كتاب مرآة الجزائر) وصاحبه (علي رضا) مجهولين لدى جيل الباحثين والمؤرخين، إضافة إلى تشارك الكتاب في العنوان نفسه، مع كتاب المرآة، لحمدان بن عثمان خوجة" والد علي رضا باشا.

ودعا في دراسته، إلى ضرورة العمل على إعادة تقديم هذا الكتاب وصاحبه علي رضا باشا بالوجه الحقيقي بهما، كمصدر تاريخي وعَلَم جزائري.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!