فخر الدّين ألتون – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في تركيا، هناك العديد من الأسئلة التي تحظى باهتمام الأوساط السياسية والإعلامية في تركيا، ولعلّ مسألة تجاوز حزب الشّعوب الدّيمقراطي للعتبة الانتخابية، تتصدّر قائمة هذه الأسئلة الهامّة. فهناك فرق كبير بين الوضع الذي سيسود الشارع التركي في حال دخل حزب الشعوب الديمقراطي البرلمان التركي وبين الوضع الذي سيخلّفه عدم تمكن الحزب من دخول البرلمان.

وإذا ما ألقينا نظرةً إلى استطلاعات الرّأي حول هذا الموضوع، نجد أنّ معظم الاستطلاعات توضّح بأنّ حزب الشّعوب الدّيمقراطي لن يستطيع تجاوز العتبة الانتخابية. وإلى جانب هذا فإنّ بعض الآراء تقول بأنّ الحزب لديه من الإمكانات والمؤهّلات ما يخوّله لدخول البرلمان التركي تحت اسم الكتلة الحزبية. بلا أدنى شك، إنّ فوز حزب الشعوب الديمقراطي بتجاوز العتبة الانتخابية سينعكس على سياسة حزب العدالة والتنمية والنّظام المؤسّساتي للدّولة التركية. لكنّ بعض المحلّلين السياسيّين يقولون بأنّ دخول حزب الشعوب الديمقراطي إلى البرلمان، سوف يساهم في تسريع عملية المصالحة الوطنية وسيزيل عبارة المشكلة الكردية من أجندة الحكومة التركية.

يحاول حزب الشّعوب الدّيمقراطي في هذه الفترة إظهار نفسه على أنّه حزب يخاطب جميع شرائح المجتمع التركي. فقيادات هذا الحزب تدّعي أنّ الطبقة الدّاعمة لها لا تنحصر في أولئك الذين يناصرون تنظيم (PKK) الإرهابي، إنّما يقولون إنّ الحزب سوف يحصد أصواتاً من مختلف الشّرائح الاجتماعية في تركيا على اختلاف إيديولوجيّاتهم وتوجّهاتهم السياسية. كما أنّ قيادات الحزب تطلق شعاراتٍ الدفاع عن المظلومين والمسلوبة حقوقهم في تركيا.

لا أستطيع أن أقول استناداً لهذه المبادئ التي تنادي بها قيادات حزب الشّعوب الدّيمقراطي، بأنّه يجب على هذا الحزب دخول البرلمان التركي. لأنني عندما رأيت قوائم مرشحي هذا الحزب والأسماء التي تضمّنتها قائمته، أدركت تماماً أنّ هؤلاء لا يمكنهم تطبيق هذه الوعود.

مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية التي ستجري خلال شهر حزيران/ يونيو المقبل، أعتقد أنّ هناك أربعة أمورٍ متناقضة داخل حزب الشّعوب الدّيمقراطي. التّناقض الأول لدى يتمثّل في كونه لن ينافس الحزب الحاكم فقط خلال الانتخابات المقبلة، إنّما سينافس الأحزاب المعارضة أيضاً وعلى رأسها حزب الشّعب الجمهوري. فحزب الشّعوب الدّيمقراطي سينافس حزب الشّعب الجمهوري في سباق إظهار العداء للرّئيس أردوغان. وإنّ محاولة قيادات حزب الشّعوب الدّيمقراطي لحصد أصوات النّاخب الموالي لحزب الشّعب الجمهوري، تصبغ هذا الحزب بالصّبغة الكمالية.

ففي هذه المرحلة يتبع حزب الشّعوب الدّيمقراطي سياسة العداء للشّخص ويتجاهل العمل السياسي القائم على أساس النقد البنّاء. فعلى سبيل المثال، فإنّ قيادات الحزب تقوم بانتقاد شخص الرّئيس أردوغان على اعتبار أنّه المؤّسس الرّئيسي لحزب العدالة والتنمية، بدل انتقادها لإجراءات الحزب وسياسته القائمة. كما أنّهم لا يقدّمون الوعود الانتخابية للمواطنين ولا يقومون بسرد مشاريعهم التي من الممكن أن يقدّموها للشّعب في حال وصولهم إلى السّلطة.

التناقض الثاني الذي يعاني منه حزب الشّعوب الدّيمقراطية يتمثّل في الوصاية والضّغط الذي يُمارس ضدّه من قِبل تنظيم (PKK) فمن جهة يحاول الحزب إظهار نفسه على أنّه يحتضن كل شرائح المجتمع التركي، ومن جهة أخرى يحاول الدّفاع عن ممارسات هذا التنظيم في المحافل السياسية. وهذا الوضع يؤدّي بطبيعة الحال إلى اتباع قيادات الحزب لسياسة ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين. وإنّ هذا الوضع القائم يدركه النّاخب التركي والكردي في البلاد.

النتاقض الثالث لدى هذا الحزب يتمثّل في أنّهم يدّعون تمثيل الشّعب التركي وأنّهم حزب يعملون باسم تركيا ولصالح الدّولة التركية. إلّا أنّهم يظهرون وكأنّهم يدافعون عن دولة كردستان المزعومة. ولقد رأينا ذلك خلال أحداث الشّغب الأخير التي حصلت في المناطق الجنوبية والشرقية في البلاد. كما أظهروا ذلك جليّاً خلال أحداث بلدة كوباني السورية.

أمّا النتاقض الرّابع والأخير فيتمثّل في العقلية التي تُدير الحزب. فعلى الرّغم من ادّعاءات قيادات الحزب بأنّ مرشحيها يمثّلون كافّة التّوجّهات السياسية داخل المجتمع التركي، إلّا أنّ العقلية التي يتبنّاها المرشّحون هي موالية لتوجّهات تنظيم (PKK) الإرهابي.

العامل الأسوأ في حزب الشّعوب الدّيمقراطي أنّ قيادة هذا الحزب عاجزة تماماً عن التّخلص من هذه التّناقضات الدّاخلية. ولذلك يمكنني القول بأنّ نجاح حزب الشّعوب الدّيمقراطي ودخول أعضائه إلى البرلمان لن يجدي نفعاً لعملية المصالحة الوطنية ولن يساهم في تفعيل الخط الدّيمقراطي للبلاد.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس