علي حسين باكير - عربي 21

عندما يتم سؤال الإيرانيين عن السبب الحقيقي الذي يجعل إيران تدعم أرمينيا ضد أذربيجان تقليدياً، غالباً ما يتم استخدام قنبلة دخانية مفادها أنّ اتّجاه أذربيجان إلى إسرائيل وتمتين العلاقات الثنائية معها هو أحد أهم الأسباب التي تفسّر وتُبرّر في نفس الوقت دعم إيران لأرمينيا ضد أذربيجان في الصراع الممتد لحوالي ثلاثة عقود حتى الآن بين الطرفين. 

بالعود إلى تاريخ استقلال أرمينيا وأذربيجان عن الاتحاد السوفييتي، وبالرغم من أنّ الجانب الأذربيجاني كان قد أعلن استقلاله قبل حوالي شهر من نظيره الأرمني، إلاّ أنّ إيران اعترفت بأرمينيا قبل أذربيجان، وفي هذا الأمر بحد ذاته دلالة مهمة. الخلاف بين الجانبين لم يتطوّر بعد استقلال أذربيجان وإنما كان قائماً حتى عندما كانت جمهورية أذربيجان جزءاً من الاتحاد السوفييتي. ففي السنوات الأخيرة قبل تفكّكه، حاولت طهران أن تمدّ نفوذها إلى جارتها أذربيجان، حيث كان مبدأ تصدير الثورة الإيرانية لا يزال علنياً، وقد تسبب ذلك بمشاكل تركت أثرها على مرحلة ما بعد الاستقلال لاسيما مع اتخاذ إيران موقفاً داعماً لأرمينيا التي احتلت حوالي ٢٠٪ من مساحة أذربيجان منذ العام ١٩٩٢. 

وفي مواجهة المثلّث الأرمني ـ الروسي ـ الإيراني، طوّرت أذربيجان علاقات مهمة في بداية التسعينيات مع كل من تركيا وإسرائيل. وبالرغم من أنّ العلاقة مع تركيا كانت طبيعية بحكم العامل الإثني، إلاّ أنّ الهدف تضمن كذلك الانخراط في محور غربي لمواجهة الضغط الناجم عن هذا المثلث. في تلك الفترة، حاولت معظم دول القوقاز وآسيا الوسطى توثيق علاقاتها بواشنطن والغرب على اعتبار أنّ ذلك يساعد على الحد من عودة النفوذ الروسي سريعاً إلى الجمهورية المستقلة حديثاً، وبما أنّ تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي أيضاً فمن شأن هذا العامل أنّ يعطي العلاقات الثنائية دفعة قوية.

أمّا بالنسبة إلى إسرائيل، فقد كانت من أوائل الدول التي اعترفت بأذربيجان، وربما أدركت تل أبيب مُبكّراً أنه من الممكن تقديم نفسها كحليف فعّال لأذربيجان من بوابة الخلاف القائم للأخيرة مع كل من أرمينيا وإيران وروسيا. وبالمقابل، فقد كانت أذربيجان تدرك أنّ علاقات أقوى مع واشنطن تستلزم الدخول عبر بوابة تل أبيب. لكن المفارقة هي أنّ أذربيجان لم تنشئ بعثة دبلوماسية لها في تل أبيب بالرغم من إنشاء إسرائيل بعثة دبلوماسية في باكو ومن وجود أقليّة يهودية في أذربيجان، وهذا يعني أنّ أذربيجان كانت تعي تأثير مثل هذه الخطوة على سمعتها في العالم الإسلامي والتي قد تؤدي إلى خسارتها الدعم الدبلوماسي من الدول الإسلامية في مواجهة الاحتلال الأرمني لأراضيها. 

وبالرغم من ذلك، فقد عمل الطرفان على تقوية العلاقة الثنائية من خلال الاعتماد على المصالح المشتركة. استفادت تل أبيب بشكل كبير من صادرات النفط الأذربيجانية وكانت خلال فترة طويلة واحدة من أبرز مستوردي النفط الأذربيجاني، فيما استفادت باكو من الوصول إلى المعدات العسكرية والأسلحة الإسرائيلية، حيث برزت إسرائيل كواحدة من أكبر مصدّري السلاح الى أذربيجان. علاوة على ذلك، فقد طوّر الطرفان شراكة أمنيّة وكانت أذربيجان تؤمن في أن تؤدي علاقة أفضل مع إسرائيل إلى تحييد ضغط اللوبي الأرمني القوي في واشنطن.

في المقابل، تتجاهل إيران هذه المُعطيات وحقيقة دعمها لأرمينيا واعتمادها عليها كأداة مُعطّلة لإمكانية قيام أذربيجان قوية خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى تقوية النزعات الانفصالية شمال إيران، حيث الأغلبية الأذرية من مواطني إيران. علاوةً على ذلك، فقد كانت طهران تمّد أرمينيا بالغاز والنفط وتؤمّن لها شرياناً اقتصادياً مهمّا للحفاظ على "الستاتيكو" القائم لاسيما بعد أن أغلقت تركيا حدودها مع أرمينيا تضامناً مع أذربيجان. 
  
فضلاً عن هذا، فقد حاولت طهران أنّ تمدّ نفوذها إلى أذربيجان باستنساخ سياساتها في العالم العربي، حيث كانت طهران تقوم بتدريب فئات من الشباب الأذربيجاني عقائديا وعسكرياً ثم تعيد إرسالهم مما أدى إلى بروز تنظيمات من قبيل جيش الله وحزب الله في أذربيجان في أواخر التسعينيات. كما حاولت طهران أن تستخدم أذربيجان كساحة لتصفية حسابات مع إسرائيل، حيث قامت أجهزة الأمن الأذربيجانية بإلقاء القبض على عناصر تعمل لصالح إيران مرات عديدة لعل أبرزها في العام ٢٠٠٨، وتمّ إلقاء القبض على عناصر من حزب الله اللبناني والحرس الثوري كانت تخطط لضربات انتقامية إثر اغتيال عماد مغنيّة.

خلاصة القول: إنّ تذّرع إيران بأنّ علاقة أذربيجان مع إسرائيل هي عامل مفسّر ومبرّر لموقفها من أرمينيا غير دقيق. كما أن من المهم الإشارة إلى أن حساسيّة الوضع داخل إيران دفعت مؤخراً عدداً من ممثلي المرشد الأعلى علي خامنئي لأن يُصدروا تصريحات تقول إنّ إقليم "ناغورني قره باغ" تابع لأذربيجان وإنه إقليم مُحتل. عدا عن حقيقة أنّه لا يوجد أي قيمة لمثل هذه التصريحات على اعتبار أنّه من غير الممكن أن يقول هؤلاء العكس، وأن يتسببوا بثورة داخلية وسخط في العالم الإسلامي، يهدف النظام الايراني إلى إرباك المتابعين لمثل هذه التصريحات. 

اللافت في الموضوع أنّ وكالة تسنيم المقرّبة من الحرس الثوري نشرت تصريحات رسمية إيرانية تحذّر من أي اشتباك بين الطرفين على حدودها، وهي إشارة إضافية إلى أنّ طهران تفضّل بقاء الستاتيكو القائم الذي تحتل فيه أرمينيا أراضي أذربيجانية في حين تشير التطورات الميدانية إلى أنّ الاشتباك العسكري هذه المرّة مختلف وأنّ هناك نيّة أذربيجانية لتحرير كامل أراضيها المحتلّة وأنّه ما لم تتدخّل روسيا، فقد يكون من الصعب جداً أن تتم المحافظة على الستاتيكو الذي ظلّ قائماً لحوالي ثلاثة عقود.

 

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس