الخليج أونلاين

يظهر أن العلاقات السعودية التركية لن تكون على نفس النسق الذي كانت به خلال العامين الماضيين، وما تخللته تلك السنوات من توتر وتصعيد سياسي وإن لم يصل لحد القطيعة الرسمية.

فقد اتسمت الفترة الماضية بعلاقات أقرب للتوتر، خاصة بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول (2 أكتوبر 2018)، وسط هجوم إعلامي شرس ضد تركيا رافقه حملات تحريض شعبية على وسائل التواصل الاجتماعي ضد أنقرة بدت مدعومة من السلطات.

وهو ما يفتح تساؤلات عن أسباب التحولات المفاجئة في "السياسة السعودية"، التي بدت أنها متغيرة في زمن قصير، خلال أقل من شهر تجاه تركيا، الدولة الإقليمية الصاعدة والمحورية في الشرق الأوسط.

إزالة المشاكل

ولعل الجديد الذي يرجح إذابة الجليد بين البلدين هو اتصال هاتفي أجراه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في إطار الحديث عن قمة العشرين التي تجري في السعودية خلال 21 و22 نوفمبر 2020.

واتفق الجانبان، يوم الجمعة (20 نوفمبر 2020)، على إبقاء قنوات الحوار مفتوحة لتطوير العلاقات الثنائية وإزالة المشاكل.

وهو تطور ملحوظ في سير العلاقات التركية السعودية بعد تحركات إيجابية من قبل السعودية تجاه تركيا خلال شهر نوفمبر الذي شهد إجراء الانتخابات الأمريكية.

ويبدو أن الرياض في طريقها للتقارب مع أنقرة، خاصة بعد الاتصال الذي جرى بين الطرفين، والذي يعد خطوة متقدمة بعد إرسال السعودية لمساعدات مستعجلة إلى تركيا بعد حدوث زلزال إزمير الذي خلف عشرات القتلى ومئات الجرحى وخسائر مادية.

وذكرت وكالة الأنباء السعودية "واس"، في 6 نوفمبر 2020، أن "مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية سيقوم بتقديم هذه المساعدات انطلاقاً من حرص العاهل السعودي على الوقوف إلى جانب الشعب التركي".

كما تخلل الفترة بين حديث أردوغان والملك سلمان، وإرسال المساعدات السعودية، اتصال هاتفي بين أردوغان والعاهل البحريني حمد بن عيسى آل خليفة، حيث تطرق الجانبان لإمكانية تسريع وتيرة العلاقات بين البلدين، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء البحرينية "بنا" (في 12 نوفمبر 2020).

 

ولعل التقارب البحريني التركي متصل بتقارب سعودي تركي، حيث إن المنامة حديقة خلفية للرياض، وتمرر عبرها الكثير من المواقف.

ماذا تحمل المكالمة؟

يعتقد المحلل التركي حمزة تكين أن "تركيا لا تتحمل مسؤولية تأزم العلاقات مع السعودية على الإطلاق، حيث لم تسئ أنقرة للرياض يوماً، بل على العكس كانت تسعى دوماً لتكون العلاقات قوية، وهي لم تتخذ مواقف عدائية ضد المملكة أو شعبها بقضية خاشقجي، إنما طالبت فقط بتحقيق العدالة، وأن يحاسب من شارك بهذه الجريمة".

وأضاف تكين، في حديثه مع "الخليج أونلاين"، أن "تركيا ليست مع تأزم العلاقات ولا تشجع أن تكون علاقاتها مع الرياض متوترة، إنما ترغب بعلاقات جيدة ومميزة مع المملكة".

وبخصوص المكالمة بين أردوغان والملك سلمان بيّن تكين أن جزءاً منها بروتوكلي يتعلق بقمة مجموعة العشرين، وجزء منها بحث في قضية العلاقات الثنائية بين أنقرة والرياض، واتفق الطرفان على فتح قنوات التواصل، والتخفيف من حدة الأزمة الموجودة بين الجانبين.

وأكّد أن "الكرة اليوم بملعب السعودية، وهنا نتساءل: هل ستوقف السعودية الحملات الإعلامية الموجهة ضد تركيا، ويتوقف دعم الرياض للدول المعادية لأنقرة؟ وإن كانت المملكة جادة فعليها اتخاذ خطوات بملف محاسبة قتلة خاشقجي وإحقاق الحق العام".

ويرى تكين أن "العلاقة مع تركيا استراتيجية بالنسبة للرياض اليوم، و"إسرائيل" ليست بذات القوة السابقة حتى تحمي حلفاءها المطبعين، وخاصة مع رحيل ترامب، ولا يوجد قوة حقيقية بالشرق الأوسط مثل تركيا، والعاقل بالمنطقة من يُحسن علاقته معها، ولذلك تبادر الرياض إلى التقارب مع أنقرة".

 

رحلة توتر العلاقات

ولم تكن العلاقات التركية السعودية بأحسن أحوالها خلال العامين الماضيين، خاصة ما بين أكتوبر 2018 وأكتوبر 2020، حيث شهدت توتراً متنامياً بين صعود وهبوط، بدا وكأنه باتجاه القطيعة.

وبدأ توتر العلاقة مع اغتيال خاشقجي في أكتوبر 2018، وصولاً إلى شن السعودية حملة غير رسمية واسعة على مقاطعة البضائع التركية، في هجمة على وسائل التواصل الاجتماعي كانت من الأشرس.

وأكّد رئيس مجلس الغرف التجارية السعودية، عجلان العجلان، في أكتوبر 2020، أن مقاطعة بلاده للمنتجات التركية مستمرة، مهما حاولت أنقرة التأثير.

ومجلس الغرف التجارية السعودي هو هيئة غير حكومية تضم رجال أعمال من القطاع الخاص، وسبق أن دعا رئيسه إلى مقاطعة المنتجات التركية.

وبالرغم من أن الحكومة السعودية أكّدت، في أكتوبر 2020، أن السلطات لا تفرض أي قيود على البضائع التركية، فإن مجلس غرف التجارة لا يمكنه أن يقوم بخطوة كبيرة مثل هذه دون إذن مفتوح.

وفي فبراير 2020، اتهم وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي، عادل الجبير، تركيا بتمويل ورعاية "المليشيات المتطرفة" في الصومال وليبيا وسوريا، كما تحركت الرياض لحجب جميع المواقع التركية في المملكة، ورداً على ذلك، أعلنت أنقرة أنها ستحجب جميع المواقع السعودية والإماراتية في البلاد.

هل من دوافع أخرى للتقارب؟

وقد يكون فوز جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة حمل العديد من التغيرات بالعلاقات الدولية في المنطقة، حيث بدأ اختلاف تعاطي الدول مع سياساتها الخارجية كما كانت زمن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يحمل عقيدة سياسية بعيدة عن مبدأ الرئيس الديمقراطي الجديد المنتخب ضمن الإطار المعلن على الأقل.

فقد ساءت العلاقات التركية السعودية زمن ترامب، في حين كانت ضمن وضع ممتاز و"دافئ" خلال ولاية الرئيس الأسبق باراك أوباما، وما تضمنته تلك المرحلة من قمم وزيارات متبادلة، وتوقيع اتفاقيات بمختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية وغيرها.

كما أنّ موقف بايدن من إيران والاتفاق النووي معها قد يعجل من بحث الرياض عن بدائل قوية في المنطقة، وهو ما قد تمثله أنقرة بشكل واضح، بالإضافة إلى رغبة تركيا في حصول توافق مع دولة عربية كبرى بوزن السعودية.

ويعتقد المحلل السياسي نظير الكندوري أن "الموقف السعودي يعتبر انعطافة كبيرة بموقفها السياسي من تركيا، مرده إلى قلق المملكة من نتائج الانتخابات الأمريكية، وقرب إعلان بايدن بالرئاسة، فالمملكة تشعر اليوم أنها ستصبح مكشوفة الظهر بعهد الرئيس الأمريكي الجديد، ولا يوجد من يحميها أمام عدوها إيران".

وقال الكندوري، في حديث مع "الخليج أونلاين"، إن الرياض مضطرة إلى ترميم علاقاتها مع دول المنطقة، وبالذات تركيا التي أصبح لها دور عسكري وسياسي كبير حالياً ولا تريد منها الاصطفاف مع إيران، ومن ثم فإن قيام تركيا بدور الحامي والمدافع عن المملكة أمر تفكر فيه السعودية حالياً، لا سيما أنها فكرت فيه من قبل في عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز".

واستدرك مبيناً: "لكن يبقى إلى أي مدى يستطيع الملك سلمان أن يحسن علاقة المملكة بتركيا مع رفض ابنه (ولي العهد) محمد بن سلمان لمثل هذا التقارب مع تركيا؟ نظن أن الملك قادر على ذلك، لأن بن سلمان هو الآخر يشعر بالخطر من تغير الإدارة الأمريكية، وسوف يكون مضطراً إلى تحسين علاقاته مع تركيا".

من جانب آخر، يرجح المحلل السياسي أن المملكة قد تفكر بأن الاستثمار في تركيا سيعود لها بالحماية أكثر من استثمارها في الولايات المتحدة في الوقت الحاضر.

ولفت إلى أن "تركيا من ناحيتها، في حاجة إلى مثل هذه العلاقات، وبالأخص في الوقت الحالي الذي يمر الاقتصاد التركي بحالة من التعثر، كما أن مثل هذه العلاقات سوف تكسر الطوق المفروض عليها دولياً وعلى أكثر من صعيد خارجي مهم".

 وربما سوف تسهم هذه العلاقات بالمملكة في الحد من التحديات التي تشكلها دول مثل مصر والإمارات لتركيا من خلال تأثير المملكة على هذه الدول، وفق رأي الكندوري.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!