ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

حصاد العام.. عقوبات أوربية وأمريكية 

لا يكاد العام الأكثر إثارة في هذا القرن الذي قارب على بلوغ ربعه ينتهي، حتى تسارعت العقوبات الغربية على تركيا فقبل أسبوع أصدر الاتحاد الأوربي عقوبات على تركيا شهدت فيه الجلسة التي أقرت فيها تلك العقوبات جدلا شديدا بين مصدري القرار، ما أظهر انقساما بين أعضاء الاتحاد الأوروبي على اتخاذ القرار، بل وأظهر مع ذلك الانقسام اختراقا تركيا للاتحاد الذي يرى في تركيا جارا تحب أن تكرهه وحليفا لا يمكن الاستغناء عنه، فقد أظهرت كل من المجر وإيطاليا معارضة شرسة لقرار العقوبات فيما ترى ألمانيا في تركيا حليفا لا يمكن الاستغناء عنه رغم صعوده الاقتصادي والعسكري ومنافسته الشرسة لألمانيا في القارة العجوز، وهو ما يدفع برلين إلى عرقلة دخول أنقرة إلى نادي النجوم الزرق، مع ذلك ترى ألمانيا أن سياسة الحوار مع أنقرة أكثر جدوى من خسارة الحليف الأقوى في حلف "ناتو" بعد الولايات الأمريكية، وبديل موثوق بعد ابتزاز ترامب المستمر لقادة الاتحاد الأوروبي على خلفية حماية قواته لعواصمهم، مع ذلك فإن العقوبات الأوروبية على تركيا أوصت بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية في إدخال ما قررته القمة الأوروبية حيز التنفيذ، ولم يكذب الرئيس الأمريكي خبر وسارع ترامب بتوقيع عقوبات تشمل شخصيات من وزارة الصناعات الحربية التركية ليكتمل عقد العقوبات ويطوق عنق عام مليء بالأحداث التي لم ترض الغرب عن تركيا. 

الهدف من العقوبات الغربية

الناظر في العقوبات الأوروبية والأمريكية التي أُريد لها أن تمرر قبيل رحيل الرئيس الأكثر جدلا في تاريخ الولايات المتحدة والعالم أجمع، فلا يجب تفويت فرصة وجود ترامب في البيت الأبيض، وعلى حد علمي أن هذه العقوبات كان مخطط لها أن تخرج للعلن بعد نجاح الرئيس الأمريكي الحالي، التي أفشلت بأصوات العقلاء في أمريكا، فكان لزاما أن تُنتهز الفرصة ويختتم العام بعقوبات على الحليف الذي أتعب الغرب بمواقف صلبة غيرت الكثير من خارطة النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، وثقل المعاقب في ملفات لها تأثيرها في كل من الشرق الأوسط والقوقاز، والأخيرة أثرت إلى حد بعيد على الأولى.

لقد كانت العقوبات الأوربية والأمريكية واحدة ومكملة بعضها بعضا، وإن اختلفت الأهداف الظاهرة منها، فالعقوبات الأوربية والتي استهدفت شركة البترول التركية (TPAO)، على خلفية تنقيب تركيا عن نصيبها في غاز شرقي المتوسط هو محاولة لإرجاعها إلى شواطئ انطاليا لتحقق أكبر سرقة في العصر الحديث لثروات جار وحليف يشاركها الحدود والتاريخ، بينما استهدفت العقوبات الأمريكية قطاع الإنتاج الحربي بعد نجاح الصناعات العسكرية التركية إلى حد كبير وغيرت استراتيجيات القتال ومفاهيم الخطط العسكرية في الأشهر الست الماضية، ولا يخفى ما أحدثته الطائرات المسيرة التركية من نقلة نوعية في مجالها، ما دفع أمريكا إلى عرض مسيراتها للبيع وقد كانت تحجم من قبل، أو ذلك التهديد الذي تمثله منظومة الدفاع الجوي الروسية الأكثر تقدما والتي لديها القدرة على اصطياد المقاتل الأمريكية داعي فخر صناعة بلادها، وبجمع العقوبات وقسمتها على مصدريها تصبح المحصلة تركيا ضعيفة أو يراد لها ذلك من محصلة العقوبات المرجوة.

ابحث عن فرنسا

في كلمته تعقيبا على العقوبات التي فرضتها كل من أمريكا الاتحاد الأوروبي على بلاده قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن القمة الأوروبية لم تلبِّ مطالب بعض دول الاتحاد لأن مطالبها لم تكن محقة، ولفت إلى أن الدول العقلانية في الاتحاد الأوروبي أفسدت المؤامرة بموقفها الإيجابي، ودعا كلا من أمريكا وأوربا إلى التخلص من اللوبيات المعادية لتركيا.

ولعل رد فعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حيال العقوبات التي فرضتها كل من أمريكا والاتحاد الأوروبي، يكشف من المعني في كلام الرئيس أردوغان عن اللوبيات المعادية لتركيا، ففي أول تصريح له ردا على العقوبات رحب ماكرون بإظهار الاتحاد الأوروبي وأمريكا ما وصفه بالحزم تجاه تركيا، بعد أن قررا فرض عقوبات عليها.  

وفيما يبدو أن فرنسا المكتوية بالعقوبات الشعبية بعد حملة المقاطعة التي قادها الرئيس أردوغان كانت الأكثر حماسا في فرض عقوبات على تركيا سواء من محيطها الإقليمي متمثلا في الاتحاد الأوروبي أو من فتوة العصر الحديث في واشنطن، ما يعني أن ماكرون المتبقي على فترة ولايته عامان سيقضيهما في محاربة طواحين الهواء التركية في بودروم، مع ذلك يبدو أن الرجل سيكون وحيدا بعد رحيل ترامب وتخلي ألمانيا عنه التي ترى في الحوار مع تركيا مسار مميزا لاستيعاب المارد التركي القادم.     

الرد التركي المنتظر 

قد يكون الظاهر من الرد التركي على العقوبات هو ما قرأ من ردود الرئيس أردوغان على العقوبات الموقعة على بلاده، ففي خخطابه المصدر في هذا السياق وقبيل إصدار العقوبات، اتخذ الثعلب مسارات التهدئة، بالحديث عن أن تركيا لا يمكن أن تنفك عن محيطها الأوروبي، وجدد الدعوة إلى حوار أوروبي بشأن التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، وأكد أن اليونان هي من تحاول خلق الأزمة، وعليها أن تجلس إلى مائدة المفاوضات لحل الأزمة التي خلقت في ظروف لا يمكن قبولها من قبل أصدقاء محايدين، ولعل الاتصال الهاتفي الذي جمع الرئيس أردوغان مع رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال والذي أعرب فيه الرئيس التركي عن أمله في فتح صفحة جديدة بين بلاده والاتحاد الأوروبي، بعد صدور العقوبات تعد سيرا في نفس نهج التهدئة، كما أن تذكيره العالم بالشراكة التي تجمع بلاده بالولايات المتحدة، وأمله أن تفتح آفاق للتعاون مع الرئيس المنتخب، تؤكد أن تركيا عازمة على مسار التهدئة لتجنب الموجة التي انطلقت وقد تؤثر على اقتصاده الذي يسعى لتخفيف الصدمات عليه بإقالة وزير الخزانة ومحافظ البنك المركزي واتخاذ إجراءات أكثر انفتاحا تمكن ذلك الاقتصاد من التعافي، لكن إذا ما دققنا في ما جاء في مكالمة أردوغان و ميشال وحديثه عن "إنقاذ" العلاقات التركية- الأوروبية ورغبته في إعادة إطلاق الحوار مع الاتحاد الأوروبي على أساس المصالح المتبادلة، وتلميحه أو تذكيره باتفاقية الهجرة التي أبرمتها تركيا والاتحاد الأوروبي عام 2016 وما يمكن أن تشكله من نقطة للانطلاق وخلق مناخ أكثر إيجابية بين بلاده والأوربيين، يمكن فهم الرجل وما يلمح إليه، كما أن استقرار الأوضاع في شمال قبرص أو ما يسمى بقبرص التركية بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة ونجاح  مرشح حزب الوحدة الوطنية، أرسين تتار، الداعم للموقف التركي، يعطي دفعة كبيرة لأنقرة في مواقفها ضد الهجمة الغربية، كما أن الانتصارات التي حققها الجيش الأذري في كاراباخ ستكون حاضرة إلى حد بعيد في مباراة تركيا – الغرب القادمة، وهي الانتصارات التي فتحت بابا للعودة مع السعودية تحدث عنها المحللون بعد الاتصال الهاتفي الذي جمع الملك سلمان بالرئيس التركي قبل أسابيع، وعلى صعيد التسليح فإن تركيا ردت بالفعل على العقوبات الأمريكية والغربية ببيع صفقة من الطائرات المسيرة لتونس بعد يومين فقط من العقوبات الأوروبية استباقا للعقوبات الأمريكية، ورد روسيا على لسان وزير خارجيتها على عقوبات أمريكا على تركيا بسبب صفقة منظومة الدفاع( أس- 400) هي رسالة أخرى للغرب مفادها أن تركيا ليست وحدها ولديها من أوراق اللعب ما يمكن أن تبقى فيه على طاولة الحوار كند، وفوق كل ذلك يبقى الدعم الشعبي لسياسات إدارته دافعا للبقاء في الميدان لمقارعة الإمبريالية الغربية وصولا إلى استقلالية القرار لدولة وعدت إدارتها بأن تضع علم بلادها بين الخمسة الكبار.

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس