محمود عثمان - تلفزبون سوريا

تلبية لدعوة رئيس جمهورية أذربيجان إلهام علييف ، أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زيارة رسمية لباكو، شارك خلالها في مراسم الاحتفال العسكري، بمناسبة النصر الكبير الذي حققته أذربيجان على أرمينيا في إقليم قره باغ.

في كلمته خلال العرض العسكري قال أردوغان، "نحن هنا اليوم ... لنحتفل بهذا الانتصار المجيد".

وأضاف أن "تخليص أذربيجان أراضيها من الاحتلال لا يعني أن الكفاح انتهى. فالنضال في المجالين السياسي والعسكري سيستمر الآن على العديد من الجبهات الأخرى".

الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف قال مرحبا بضيفه، إن حضور الرئيس أردوغان "يظهر للعالم بأسره الصداقة التي لا تنقطع بين الشعبين الأذربيجاني والتركي".

الجيش الأذربيجاني استعرض في العرض العسكري، آليات عسكرية وأسلحة صودرت من أرمينيا، وطائرات مسيرة تركية.

وشارك أكثر من 3000 عسكري في العرض الذي حضره أيضا 2783 جنديا تركيا، وهو عدد يرمز إلى عدد العسكريين الأذربيجانيين الذي سقطوا في المواجهات. وحضرت العرض فرقة كوماندوس تركية.

طهران تفتعل أزمة دبلوماسية مع أنقرة

شكل انتصار أذربيجان على أرمينيا في قره باغ الشهر الماضي، خطوة جيوسياسية مهمة، رسخت تركيا من خلالها دورها القيادي النشط في منطقة القوقاز.

لم يقتصر النصر العسكري والسياسي الواضح على استعادة الأراضي الأذربيجانية المغتصبة، وفتح الطريق البري أمام تركيا لتصل إلى مياه بحر قزوين وحسب، بل أسس لتفاهمات جيوسياسية جديدة من شأنها إعادة رسم خريطة النفوذ من جديد في منطقة القوقاز الاستراتيجية الغنية بالطاقة والثروات الطبيعية.

إيران التي رسمت استراتيجيتها بناء على فوز بايدن بالانتخابات الأميركية، وجمدت جميع تحركاتها بانتظار وصوله للبيت الأبيض، وقفت مكتوفة الأيدي، عاجزة عن لعب دور فاعل خلال الحرب في قره باغ، مما أثار حفيظتها وسخطها من الدور التركي النشط الفعال، إلى درجة فقدان التوازن، والخروج عن حدود اللباقة والأعراف الدبلوماسية.

احتجت طهران على بيت شعر ورد في كلمة الرئيس أردوغان خلال في مراسم الاحتفال العسكري، من قصيدة للشاعر الأذربيجاني محمد إبراهيموف، وأظهرت ردة فعل لا يمكن تبريرها بمجرد ذكر بيت من الشعر، فقد قامت الخارجية الإيرانية باستدعاء السفير التركي في طهران دريا أورس، وسلمته مذكرة احتجاج على تصريحات أردوغان التي سمتها ب "التدخلية وغير المقبولة" في شؤون إيران !.

اعتبرت طهران أن القصيدة انفصالية ! وعدت إلقاءها من قبل الرئيس أردوغان يستهدف وحدة الأراضي الإيرانية ! ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فاستدعت الخارجية الإيرانية السفير التركي دريا أورس، على خلفية المقطوعة الشعرية التي قرأها الرئيس أردوغان، وأفاد بيان صادر عن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، أن نائب وزير الخارجية استدعى السفير التركي، وقدم إليه استنكار الوزارة الشديد، وأن طهران تنتظر توضيحات حول الموضوع.

وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، هو الآخر كتب في تغريدة على حسابه في تويتر: "لم يخبر أحد أردوغان أن القصيدة التي تلاها بشكل غير صحيح في باكو تتعلق بالفصل القسري لمناطق آراس الشمالية عن موطنها الأصلي إيران!" .. وتساءل ظريف: "ألم يفهم أنه تحدث ضد سيادة جمهورية أذربيجان؟، لا أحد يستطيع أن يتحدث عن أذربيجاننا العزيزة".

المستشار الخاص لرئيس مجلس الشورى الإيراني للشؤون الدولية، حسين أمير عبد اللهيان، كتب في تدوينة، إن "تصريحات السيد رجب طيب أردوغان مدعاة للاستغراب والتعجب". وأضاف، بحسب وكالة أنباء فارس شبه الرسمية: "يا سيادة الرئيس أردوغان هناك فرق بين الجوار والأطماع التوسعية. فالرجاء أن تراجع بدقة تاريخ إيران، وخاصة تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية".

الرد التركي على الاستفزاز الايراني

أنقرة من جانبها ردت على الاستفزاز الإيراني بالمثل، حيث استدعت وزارة الخارجية التركية، السفير الإيراني لدى تركيا محمد فرازمند، معربة عن استيائها من ادعاءات لا أساس لها، وجهتها طهران بحق الرئيس أردوغان، واستنكرت كذلك استدعاء إيران للسفير التركي في طهران.

كما أعربت الخارجية التركية عن استيائها من الترويج لحملة تبث الكراهية ضد تركيا، وأكدت للسفير الإيراني رفضها الكامل للادعاءات الإيرانية، ورفضها استخدام الوزير ظريف منصة تويتر لاستهداف تركيا عبر ادعاءات لا أساس لها، عوضا عن القنوات ذات الصلة التي يمكن للجانب الإيراني اللجوء إليها إذا كان يشعر بالانزعاج من قضية تتعلق بتركيا.

 رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب، دان "التصرفات غير اللائقة" التي صدرت من مسؤولين إيرانيين تجاه الرئيس رجب طيب أردوغان، وأعرب شنطوب، في تغريدة عبر تويتر، عن رفضه تلك التصرفات الإيرانية بحق الرئيس أردوغان، الذي دافع بشجاعة دائما عن القانون ضد الحصار والعزلة المفروضين على إيران، وقال إن رد الفعل هذا حيال تركيا لم يصدر تجاه الدول التي فرضت الحصار على إيران نفسها، وأعرب شنطوب عن إدانته الشديدة للتصريحات والمنشورات القبيحة التي راجت في إيران عقب إلقاء أردوغان الشعر في باكو.

المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية التركي، عمر جليك، دان تصريحات السياسيين الإيرانيين بحق الرئيس رجب طيب أردوغان، فغرد من خلال حسابه بموقع "تويتر" قائلا: "السياسيون الإيرانيون أضاعوا البوصلة فخلطوا بين الرئيس أردوغان الذي يعتبر دائماً إيران دولة صديقة وشقيقة، وبين أعداء بلادهم". واستنكر جليك ما وصفه بـ"الأسلوب القبيح" الذي استخدمه بعض السياسيين الإيرانيين بحق الرئيس أردوغان، وأضاف :"عندما صمت الجميع حيال تعرض إيران للإملاءات وفرض العقوبات عليها، كان الرئيس أردوغان الشخص الوحيد الذي رفع صوته لمساندتها". وتابع :"لطالما عارض رئيسنا المظالم التي تعرضت لها إيران الشقيقة، ويجب على السياسيين الإيرانيين الذين تجاوزوا حدودهم، أن يكونوا محترمين عندما يتحدثون عن الرئيس أردوغان". واستطرد قائلا :"أولئك (السياسيون الإيرانيون) الذين يهاجمون رئيسنا صديق إيران في الأوقات العصيبة، يسعدون أعداء بلادهم". وتابع :"يجب أن لا ينسوا أنه عندما تعرض الشعب الإيراني للظلم في مسألة الملف النووي، كان أردوغان والرئيس البرازيلي فقط من وقع اتفاقية مع إيران ضد هذا الظلم".

وأردف : "اليوم نقف سعداء للاحتفال مع أشقائنا الأذربيجانيين الذين حرروا أرضهم من الاحتلال، وهو اليوم الذي نقف فيه إلى جانب الفرحين بهذا النصر، أما المنزعجون منه، فهم يُظهرون تشوهاتهم الذهنية، رئيس جمهوريتنا هو صديق إيران الشقيقة في الأوقات العصيبة".

وأشار إلى أن السياسيين الإيرانيين الذين هاجموا الرئيس أردوغان، إنما هاجموا أكبر صديق لبلادهم، وأسعدوا أعداء إيران.

وأكد بالقول :"الرئيس أردوغان يواصل وقوفه إلى جانب أصحاب الحق، وضد الظلم، نحن مع أذربيجان ضد الاحتلال الأرميني، وسنستمر في الدفاع عن حقوق إيران الشقيقة ضد المظالم".

 الإيرانيون الأذريون والشعر الذي أثار حفيظة الإيرانيين

يطلق على المواطنين الإيرانيين من أصل أذري اسم "الإيرانيون الأذريون" أو "الإيرانيون الأتراك" أو "الفرس الأذريون". ويقدّر عددهم بين 18 إلى 20 مليوناً، ويشكلون نسبة 20–25% من سكان إيران.

يتحدث الأذريون لغة قريبة الشبه من التركية، ويعتنقون المذهب الشيعي مع وجود أقلية سنية، ويعيش معظمهم في شمال غربي إيران في المناطق الواقعة جنوبي نهر آراس الذي يعتبر من أكبر أنهار القوقاز ويبلغ طوله 1072 كيلومتراً.

وإذا ما أضيف إلى الأذريين باقي القوميات الناطقة باللغة التركية كالتركمان والقشقائيين والأزبك، فإن عددهم يتجاوز عدد الفرس، ليصل إلى ما يقارب 60-70% من سكان إيران. مما يجعل طهران في حالة قلق دائم من ظهور نزعات انفصالية لهذه القوميات.

بيت الشعر الذي ألقاه أردوغان، من قصيدة "آراس آراس" للشاعر الأذربيجاني محمد إبراهيموف، الملقّب بـ "محمد آراس" يقول فيه :

"فصلوا نهر آراس وملؤوه بالحجارة والقضبان.. لن أفترق عنك، لقد فصلونا بالقوة".

وفقا لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية "إسنا" فإن القصيدة تعد "واحدة من رموز الانفصاليين الأتراك". والأبيات تشير إلى نهر آراس و"تشكو من المسافة بين الأشخاص الذين يتحدثون بالأذرية على ضفتي النهر".

 حقيقة المخاوف الإيرانية

يتركز القلق الإيراني، حول قابلية أذربيجان لإثارة المشاعر القومية عند المواطنين الأذريين في إيران. ويبدو أن خروج المظاهرات المؤيدة لأذربيجان المباركة لانتصارها في قره باغ في عدد من المدن الإيرانية ذات الأغلبية الأذرية، قد عزز هذه المخاوف، ودق ناقوس الخطر لدى طهران.

إضافة إلى ذلك، تتخوُّف إيران من تمدد النفوذ التركي بهذا الشكل المباشر في آسيا الوسطى وهو ما يُمثِّل قيداً على حركتها في تلك البلاد التي تعتبرها مجالاً طبيعياً لها.

الموقف الإيراني التقليدي من الصراع بين أذربيجان وأرمينيا، يميل إلى التعاطف والوقوف مع أرمينيا، بحكم المصالح الاقتصادية المشتركة، ومرور خطوط الأنابيب التي تنقل الغاز الإيراني إلى أوروبا عبر الأراضي الأرمينية، والعلاقات الخاصة مع روسيا حليفة أرمينيا.

لكن طهران اضطرت هذه المرة لاتخاذ موقف الحياد، وعدم التدخل المباشر لصالح أي من طرفي الصراع في قره باغ، رغبة منها في تحسين صورتها في دول القوقاز ذات الأغلبية المسلمة، والتي تأثرت سلبياً بتأييدها لأرمينيا ذات الأغلبية المسيحية، وسعيا لتخفيف الضغوط الداخلية النابعة من الأذريين الإيرانيين، وقطع الطريق أمام النفوذ التركي، اعتمادا على التقارب المذهبي مع باكو. لكن مياه كثيرة مرت من تحت الجسر، وغيرت الكثير من المعطيات في تلك المنطقة.

تدرك طهران أنها لا تستطيع الدخول في مواجهة مع تركيا، في هذه المرحلة التي تتعرض فيها للحد الأقصى من الضغوط الأميركية. وخصوصا قبل وصول بايدن للبيت الأبيض، لذلك ذهبت لجهة التصعيد الدبلوماسي، كإشارة على نيتها في وضع العراقيل التي تعطل أو تؤخر تقدم تركيا في منطقة القوقاز.

 أهمية أذربيجان بالنسبة لتركيا

"أذربيجان وتركيا بلد واحد ذو علمين"، مقولة وشعار يردده كثيرون في كلا البلدين، اللذين تجمعهما علاقات تاريخية وثقافية تعود إلى فترة الحكم العثماني، إضافة إلى مصالح جيوستراتيجية وسياسية واقتصادية مشتركة. فمن الناحية الجيوستراتيجية، تُمثِّل أذربيجان منفذاً لتركيا علي منطقة القوقاز ذات القيمة الاستراتيجية العالية، وجسرا يُسهِّل تواصلها مع الجمهوريات التي تتحدث التركية في آسيا الوسطى. ومن الناحية السياسية، فإنها تُمثِّل عنصرا موازيا للدور الأرميني المُعادي لتركيا، ومن الناحية الاقتصادية، هناك مصالح مرتبطة بالغاز الطبيعي الذي تستورده تركيا من أذربيجان، وخطوط أنابيب الغاز الروسي التي تعبر أراضي أذربيجان إلى تركيا، والتبادل التجاري الكبير بين البلدين والشركات التركية العاملة في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية في أذربيجان.

تركيا هي الدولة الأولى في العالم التي اعترفت بأذربيجان دولةً مستقلة، في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1991، بعد انفصالها عن الاتحاد السوفييتي، ومنذ ذلك الحين، وحتى عام 2010 فقط، وقع البلدان أكثر من 11 اتفاقية تعاون متنوعة، في الثقافة والاستثمار والعلاقات العسكرية، وبحلول عام 2019، بات دخول البلدين، ذهابًا وإيابًا، ممكنًا دون الحاجة إلى تأشيرة.

وتعتبر اللغة الأذرية واحدة من أقرب اللغات إلى التركية، وينتمي الشعب الأذري، عرقيًا، إلى الجنس التركي،

أذربيجان إحدى دول المجلس التركي الذي أنشئ عام 2009 ليضم عددًا من الدول الناطقة بالتركية مثل طاجيكستان وقرغيزستان وتركمانستان وأوزباكستان وأذربيجان.

 و أذربيجان عضو في التحالف الثلاثي، شمال شرق الأناضول، الذي يضم أذربيجان وجورجيا بالإضافة إلى تركيا، والتحالف السداسي الذي يضم إلى جانب الثلاثي السابق إيران وباكستان وتركمانستان.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس