محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس

في ورقة بحثية قدمها الدكتور زيد الأعظمي إلى مركز الدراسات الاستراتيجية (أورسام) فرع إسطنبول قسم الشأن العراقي والذي يديره حاليا بعنوان "الكاظمي والدولة العميقة في العراق"، أكد أن بالعودة إلى أصل أزمة العلاقات الدولية والإقليمية مع العراق، يتوضح أن المشكلة الرئيسية هي غياب الإجماع الوطني على تعريف المصالح العليا للدولة، فكل كيان وفصيل سياسي يعرف مصالح الدولة بمنطق يختلف عن بقية الجماعات السياسية.

ومن المؤكد وحسب ما طرحه الباحث أن تلك المشكلة هي التي تتداور حول نفسها وتبقى هي الموجهة الحقيقية لكل الفعاليات الحكومية لمختلف الوزارات وعلى كافة الأصعدة، وهي ثابتة رغم تغيير رؤساء مجالس الوزارات والوزراء ورئيس وأعضاء البرلمان ورئيس الجمهورية بالإضافة إلى تغييرالتكتلات الحزبية والسياسية.

لذا فإن أي رئيس يتولى شؤون رئاسة مجلس الوزراء يجب أن يصطدم بهذه الصخرة الصماء، بل إنه سيحتاط علما بما سيقوم به حتى يتجنب الاصطدام المهلك لفعاليات وزاراته.

لم تكن هذه المشكلة حصرا على بلد مثل العراق، ولكن تلك المشكلة كانت وما زالت سائدة في عدة بلدان من دول العالم الثالث التي لا تحمل أي هوية استراتيجية خاصة بها غربية رأسمالية أو شيوعية سوفيتية أو صينية، فعلى سبيل المثال لا للحصر فإن أنديرا غاندي التي وصلت لرئاسة وزراء الهند سابقا بطريقة ديمقراطية في بلد متعدد الأحزاب، أرادت تقليم أظافر زعامات الجهات الدينية الهندوسية والتي تملك السلطة الدينية والقومية والمالية لغرض تقليل نفوذها وتقليص تدخلاتها في شؤون الدولة، إلا أنها اصطدمت بالنمور الآسيوية التي حالت دون تنفيذ إصلاحاتها الثورية خدمة لمصالح الهند الوطنية، بل إن تلك النمور المفترسة أنهت حياتها بعد إنهاء دورها السياسي الإصلاحي في الهند.

يذكر الباحث أن الكاظمي طرح في برنامجه الحكومي تسع أولويات لحكومته من بينها إجراء انتخابات مبكرة وإصلاح القانون الانتخابي، ومحاربة كوفيد 19، وبسط سيطرة الدولة على السلاح، والتعامل مع قضية العنف الذي مورس ضد المتظاهرين. وفي حين أن بعض هذه الأهداف يمكن تحقيقها من خلال سلطة رئيس الحكومة كالأمن والشؤون الدولية، فإن الأهداف الأخرى تتطلب تعاونًا من مجلس النواب والزعامات السياسية المؤثرة في المشهد السياسي العراقي، خاصة الإصلاحات المتعلقة بالشؤون المالية والانتخابات.

ويختتم الباحث في ورقته فيذكر أن طريق الإصلاح الذي أراد الكاظمي أن يختاره في سبيل انتشال الوضع العراقي المزري، طريق محفوف بالمخاطر الحقيقية بالإضافة إلى أنه طريق مسدود لا تؤدي إلى نتيجة بل إنه نفق مظلم لا سبيل إلى رؤية النور في نهايته.

ولدقة تعبير الباحث فإني أنقل الفقرتين التاليتين من بحثه حيث يوضح بصورة عامة مستقبل حكومة الكاظمي في ظل الاختلافات السياسية والأيدولوجية في العراق:

(لا يبدو أن للكاظمي متسعًا للشروع بأي برنامج إصلاحي استراتيجي، أو المضي فيه، ناهيك عن قطف ثماره، فحكومته بالأصل ذات طبيعة انتقالية، ليس أمامها غير ستة أشهر حتى موعد الانتخابات، ولا تبدو هذه الفترة كافية لتنفيذ أي برنامج حقيقي لإصلاح اقتصاد منهار. وتزداد صعوبة ذلك، مع محاولة القيام بهذه الإصلاحات وسط أجواء مشحونة في إطار الحملات الانتخابية المعتادة والتسقيط السياسي المتوقع للخصوم فيما بينها، وما يمكن أن يرافق ذلك من انهيارات أمنية.

إن قواعد اللعبة التي حكمت المشهد السياسي في العراق، والتي صاغها فواعل العملية السياسية منذ بدئها عام 2003، تهدد كل من يحاول العبث بها أو تغييرها، إلا بقبول ممن صاغها من أقطاب "الدولة العميقة". إن الوضع في لعراق ما زال صعباً وفي غاية التعقيد، وليست هنالك آفاق حقيقية لتغييره وإصلاحه، مما يتطلب إعادة صياغة جذرية للمعادلة السياسية-الأمنية القائمة حالياً، وأول الخطوات الضرورية للحل الجذري، هي محاولة تحجيم دور وتأثير "الدولة العميقة".)

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الدولة العميقة والتي تتحكم في الشأن العراقي ومصير العراقيين هي بالحقيقة عدة دول عميقة، بل إن الدول الإقليمية هي أيضا تتولى توجيه هذه التكتلات المحلية لصالحها فقط.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس