ترك برس

ربما لم تحظ مدينة قونية في تركيا، بتلك الأهمية السياحية التي تحظى بها مدن أخرى في البلاد، لكن جذورها التاريخية والثقافية، واحتواءها على العديد من المعالم الأثرية، جعلتها أيقونة تركيا، ومركزاً تقليدياً للعودة إلى جذور التاريخ القديم.

كانت مدينة قونية مركزاً للعلوم، حيث احتضنت العديد من العلماء في مجالات مختلفة من الأدب، والفن، والرياضيات والفلك، وانتشرت هناك العديد من المدارس، حيث لجأ إليها الطلاب من المناطق والدول المجاورة، لتلقي العلوم. وفق تقرير نشرته صحيفة العربي الجديد عن أبرز معالم المدينة.

حتى يومنا هذا، تُعَدّ مدرسة "سيركالي" نموذجاً حياً للحقبة العلمية التي طغت على المدينة. فهذه المدرسة القديمة، كانت مخصصة لطلاب العلوم، بُنيَت عام 1242. اشتهر هذا المكان بما يطلق عليه "إيوان"  وهو عنصر معماري بغرفة مقببة تطل على واجهة مستطيلة.

زُيِّن المبنى بالعديد من الفسيفساء، ولا يزال في حالة جيدة نسبياً. المكان مفتوح بالنسبة إلى الزوار، ويمكن دخوله دون دفع أي رسوم، للاستمتاع بالهندسة المعمارية.

مساجد تراثية

تضم مدينة قونية أكثر من 3000 مسجد، وتلقب بمدينة المساجد. ولكل مسجد قصته التاريخية. فمسجد علاء الدين يُعَدّ رمزاً للتاريخ العثماني القديم، نظراً لكونه مكاناً للصلاة والتعبد، وأيضاً مكاناً  للتحف، حيث تحتوي قاعاته على العديد من المقتنيات الثمينة التي كانت العائلات القونية القديمة تستخدمها.

يضاهي مسجد علاء الدين بجماله أيضاً، مسجد العزيزية، وهو واحد من أبرز المساجد في المدينة، يتميز بفنه المعماري الفريد. فهو خليط من العمارة الباروكية والهندسة المعمارية العثمانية التقليدية.

على الرغم من هذا، له العديد من الميزات، حيث يحتوي على مئذنتين، في كل مئذنة شرفة، وهو يدل على أهمية بناء الشرفات في تلك الحقبة الزمنية.

على خلاف أكثر المساجد الأخرى، فإن أرضيته الرئيسية مرتفعة  نسبياً، ويُستعمَل درج للوصول إلى الأرضية الرئيسية. أما المُصلى (قاعة الصلاة)، فهو مربَّع الشكل وسقفه عبارة عن قبة كبيرة. وفيه ثلاث قباب أصغر على ستة أعمدة من الرخام.

يعد المسجد مكاناً ومقصداً للزوار، وخاصة فئة المهندسين والمعماريين، لأنه يُعَدّ تحفة فنية نادرة في تركيا.

متحف مولانا الشهير

يعتبر هذا المتحف، أحد أبرز معالم المدينة، فهو ليس فقط مكاناً يحتوي على الأواني والمقتنيات الثمينة، بل هو أشبه بمزار، لكونه يحتضن ضريح جلال الدين الرومي، الذي يلقب بمولانا، ومن هنا اكتسب المكان شهرته العالمية.

يتسم المكان بالهدوء، يعود تاريخ تشييده إلى عام 1200 ميلادي. يُعَدّ نموذجاً حيّاً للفن المعماري السلجوقي. قام المهندس المعماري الشهير في حينها، بحر الدين تبريزلي ببنائه، وانتهى المتحف بجميع ملاحقاته في عام 1274. ترتكز القبة الأسطوانية التي يشتهر بها المتحف على أربعة أعمدة، زُخرِفَت بشكل دقيق، والقبة مزخرفة أيضاً بخزف فيروزي نادر جداً.

تحت القبة، يقع قبر جلال الدين الرومي، المطلي بالذهب والمغطى بقماش ذهبي. وفي مقابل القبر،  تقع القاعة الرئيسية التي تحتوي على معروضات من التحف التاريخية المولوية، منها آثار الرومي الشخصية، بما في ذلك القبعات المخروطية وسجادة صلاته، ملابس، وآلات موسيقية قديمة، كالناي، المصنوعة من الخيزران.

بازار بدستان 

غالباً ما تكون البازارات أماكن فريدة من نوعها في تركيا، وتشكل مقصداً للزوار، ليس فقط بسبب كونها مركزاً للتسوق، ولكن أيضاً لهندستها المعمارية الفريدة. في قونية، التجول في البازار له رمزيته.

يعود تاريخ تشييده إلى حقبة الرومانيين، ثم السلجوقيين، وصولاً إلى الحقبة العثمانية، وهو ما يبدو واضحاً من خلال هندسته المعمارية التي واكبت هذه الحقبات.

يضم البازار أكثر من 40 شارعاً، ويضم نحو 2500 محل تجاري، ويعد مركزاً هاماً للتعرف إلى ثقافة الشعب التركي القديمة، لأنه يضم عدداً لا يحصى من المساجد القديمة التي تشكل ملتقى للسكان المحليين، وهي فرصة لتبادل الأحاديث معهم.

البازار مليء بأصحاب الحرف والصناعات القديمة الذين ورثوا المهنة عن أجدادهم، ولعشاق الفن اليدوي ومحبي تجميع الأدوات العتيقة، فإن البازار بكل تأكيد يلبي كل الأذواق. كذلك يضم البازار العديد من المقاهي الشعبية، التي تشتهر بتقديم الشاي الثقيل مع الكعك التقليدي.

الطبيعة الاستثنائية

بالرغم من أن قونية مدينة ثقافية-تاريخية، فهي أيضاً معلم طبيعي لافت، وهو ما يزيد من جمالها. تعتبر بحيرة بيه شهير، من المعالم الاستثنائية، فهي تتميز بكبر مساحتها، وإطلالتها على جبال أناماس والسلطان، وطوروس، كذلك فهي محاطة بالعديد من الآثار البيزنطية، وعادة ما تشهد العديد من المهرجانات الشعبية والفولكلورية التركية.

إضافة إلى ذلك، تضم قونية حديقة "كويوتو اليابانية" التي شُيِّدَت حديثاً، وتحديداً في عام 2010، لتعزيز الروابط الثقافية التركية-اليابانية. وتعتبر الحديقة نموذجاً مصغراً لطبيعة اليابان على أراضٍ تركية، وتتميز بالطراز المعماري الياباني في جميع محتوياتها ومرافقها المتعددة التي جعلت منها أحد أهم المزارات الطبيعية في مدينة قونية.

التكاليف

صحيح أن للمدينة وجهها الثقافية، لكنها أيضاً من أهم المدن الاقتصادية، خاصة على الصعيد الصناعي، ففي عام 2012، تمكنت قونية من اقتحام أكثر من 130 دولة حول العالم بصناعتها، كصناعة الجلود، الألبسة، الأغذية.

بالإضافة إلى الصناعة، تُعَدّ السياحة مورداً هاماً للمدينة، وخاصة لمحبي الأثار والتعرف إلى الحضارة القديمة، ونتيجة ذلك، ازدهر قطاع الفندقة، والضيافة.

التكاليف في قونية ليست مرتفعة، بل على العكس، فهي أرخص الوجهات في تركيا، ويمكن الاستمتاع بالمدينة والقيام بجولات سياحية لمدة 3 أيام بتكلفة لا تتعدى 100 دولار شاملة الإقامة في فندق 3 نجوم.

فوجبات الطعام يصل سعرها إلى 10 دولارات تقريباً للوجبة الواحدة في أحد المطاعم الفاخرة. أما إذا أراد الزائر تناول المأكولات السريعة، فلن يصل السعر إلى أكثر من 3 دولارات.

أما بالنسبة إلى الإقامة في الفنادق، فهي لا تتعدى 30 دولاراً في الفنادق المصنفة 4 نجوم، وترتفع في الفنادق المصنفة 5 نجوم إلى نحو 70 دولاراً، بحسب موقع الحجوزات بوكينغ.كوم.

المواصلات في قونية يسيرة جداً، حيث تحتوي المدينة على شبكة من المواصلات العامة، بتعرفة لا تتعدى دولاراً واحداً، ويمكن زيارة جميع أرجاء المدينة بتكاليف بسيطة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!