إبراهيم قاراغل – صحيفة يني شفق

لو أن التمرد الذي حصل في “غزي بارك” وإرهاب الشوارع نجحا في تحقيق أهدافهم لكنا الآن نعيش حرباً داخلية كالتي جرت في أوكرانيا، ولكانت عواصم الولايات المتحدة وأوروبا تحل في المشهد محل روسيا. ولحولت الحرب ذات البعد العرقي والمذهبي تركيا إلى بحر من الدم.

حينها كان سيتم إرجاع الدولة إلى أيام الماضي بفعل التحالفات الدولية مع رواد الانقلاب الذي اعتاد شنق رؤساء الوزراء من قبل. ولربما عادت ثقافة الإعدامات بسبب ثقافة حزب البعث، وتم ملأ السجون بنشوة شديدة، واستطاعوا بعدها الوصول إلى السلطة من جديد من خلال إرهاب الشارع ومن ثم القضاء على كل المكاسب التي حققتها تركيا في العشر سنوات الأخيرة.

ولو أن محاولة الانقلاب في السابع عشر من ديسمبر نجحت، لتم إنشاء نظام وصاية جديد على تركيا، ولتم اتخاذ خطوات عابرة للمحيطات. ولتحولت سفارات الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي إلى محافظات استعمارية تمتلك إدارة السياسة والاقتصاد في الدولة بنفسها. ولبدأت الاستخبارات في صيد مواطنيها من جديد.

كان سيتم إنشاء محاكم الاعدامات

نتابع اليوم محاكمات الإعدام في مصر. كان سيتكرر الأمر نفسه في تركيا حيث يتم إنشاء المحكمات التي تصدر أحكام الإعدام والمؤبدات، مثل حكم السجن عشرين عاما على أول قائد منتخب والمؤبدات التي حكم بها قادة الإخوان المسلمين. كنا سوف نناقش اليوم أحكام المؤبدات التي صدرت. كان سيمثل في المحكمة لتلقي التهم كل من رئيس الوزراء وأعضاء البرلمان والعاملون في الوسائل الإعلامية المتعاطفة معهم وممثلو هيئات المجتمع المدني ورجال الأعمال. إن تلك العقلية التي كانت تسمح لنفسها بضرب وتعذيب “مندريس” متى ما شاءت خلال محاكمته، كانت ستشفي غليلها اليوم من قادة تركيا بنفس المعاملة.

ألن يحدث ذلك برأيكم؟ بل كان سيحدث. يكفيكم النظر إلى القوى التي كانت تقف خلف محاولتي الانقلاب هاتين لتعرفوا أي نوع من سيناريوهات الخوف كانت تحضر لتركيا. ولو نظرتم إلى التحالفات الداخلية والخارجية التي أعدت لمحاولتي الانقلاب لأدركتم مدى خطورة المشروع.

إن الذين قاموا بإعدام “مندريس”، ووقفوا خلف انقلاب الثاني والعشرين من أيلول، هم نفسهم من خططوا لمشروع الثامن والعشرين من شباط ولأحداث غزي بارك والسابع عشر من ديسمبر. فسواء نظرنا إلى مصادر رأس المال أو الجبهات السياسية أو تحالفات الولايات المتحدة وأوروبا، لرأينا نفس المشهد ونفس التحالفات القذرة. إن هذا المشروع كان كبيرا ً جداً.

لقد كانت محاولتا الانقلاب تهدفان إلى أسر تركيا. ولو نجحت واحدة منهما، لكان أردوغان وفريقه اليوم يلقيا نفس مصير مرسي وفريقه اليوم. كانت تركيا ستتحول إلى مصر أو أوكرانيا أخرى. وكان سيتم انشاء مجلس عسكري ليحكم تركيا وحكومة تابعة له كالدمية، ولكانت أحزاب المعارضة التي تلقي اليوم خطابات الحرية والديمقراطية في حملاتها الانتخابية هي من يصطف خلف ذلك النظام العسكري.

إن هذه الأحزاب التي تقدم الوعود العملاقة في حملاتها الانتخابية لن تجرؤ على التفوه بكلمة حول تدهور العملية الديقراطية حينها. وكان سيتم إعلان حالة الطوارئ في الجنوب الغربي، وينهار الاقتصاد في غضون عام أو عامين. ولأن السعودية وأموال الخليج لن تقف خلف هذا الانقلاب، فسوف يضطر الانقلابين إلى دق الأبواب وتسول المال، إن هذه القروض لن تدعم النمو الاقتصادي، بل ستسبب إفلاساً فظيعاً.

وعلى الرغم من أن السيسي قد وعد بتحقيق الكثير بعد الانقلاب، إلا أن دولته تعيش حالة إفلاس سياسي واقتصادي واجتماعي اليوم. وهي تصارع من أجل الصمود على الرغم من أموال الدعم الخليجية.

في تاريخهم دم وظلم وإعدامات فقط

إن العقلية السياسية التي تدعم محاولات انقلاب غزي بارك والسابع عشر ديسمبر هي ذاتها العقلية التي تدعم الانقلاب العسكرية في تركيا. إن العقلية القائمة على العنف لديهما مشتركة. إن عقليتهم لا تتعدى حساباتهم السياسية ذات الممر الضحل والقصير، فكلاهما لا يمتلكان أي منظور أو أطروحة من شأنها ان تفتح الطريق أمام تركيا أو تقدمها خطوة إلى الأمام.

إنه ليس من المنتظر من الانقلابات والكوادر والعقليات التي تدعم العنف في الشارع والعقلية السياسية أن تقدم مهارة تنازع تركيا. فهم لم يستطيعوا أن يحافظوا على صمود الدولة قبل ثلاثين عاماً من خلال التكتيكات الانتخابية.

إن تاريخ أولئك الذين حاولوا بالأمس اقتحام بيت رئيس الوزراء واعتقاله هو تاريخ مليء بالإعدامات والمجازر مثل مجرزة ديرسيم. إن ليس من الصعب التوقع بأن العقلية السياسية المعتمدة في تاريخها على الصراعات المجتمعية سوف تدخل تركيا هذه الصراعات والاستقطابات من جديد. فلا داعي للنظر إلى التاريخ القديم، بل يكفينا النظر إلى العام أو العامين الماضيين لنرى ما جرت هذه العقلية تركيا إليه.

السلطة القائمة على الموت

إن الذين يقولون بأن الديمقراطية ليست من خلال الصناديق الانتخابية، وإن الانتخابات هي مجرد تفرعات وتفاصيل، لم يتبقى لهم سوى أن يتسببوا في تطبيق السيناريو المصري على تركيا. إن الذين عاقبوا مرسي واتخذوا قرارات الإعدام وقدموا مشاريع الحرية من خلال الموت يحملون لتركيا مشروعاً مشابهاً. هؤلاء نفسهم سيأتون من خلال هذا المشروع إلى السلطة على أنهم كوادر تدعم الديمقراطية والحرية.

إن الذين أعدموا رئيس الوزراء سابقاً حاولوا الاطاحة برئيس وزراء آخر بل وربما القضاء عليه. وللقيام بهذه الجريمة فقد استخدموا التنظيمات والإرهاب ومن ثم استخدموا ما نسميه اليوم التنظيم الموازي. وقبل أن يخفق ضجيج الحديث عن هذه المحاولات الإجرامية فإن هذه التحالفات اليوم تتجهز للانتخابات معاً، ويحاولون أن يجعلوا الشعب التركي ينسى جرائمهم.

إنهم بعثيو تركيا

كونوا على ثقة بأن المزيد من عمليات العنف والصراعات الداخلية وصراعات التفرقة العنصرية على أساس الهوية ومشاريع الانقلابات الخارجية سوف تظهر على إثر خسارتهم الانتخابات. فبطبيعة الحال، وكونهم قد فقدوا منذ زمن طويل أخلاق وفضائل اكتساب القوة من خلال الطرق الشرعية، فإنه ليس من المستغرب قيامهم بمحاولات تحويل تركيا إلى سوريا جديدة بعد الانتخابات.

إن كوادر الوصاية تسعى دوماً عند خسارتها للانتخابات أن تعاقب كل من الشعب والفئة التي اختارها على حد سواء. والمثال الأخير على ذلك كان في مصر. وسوف يحاولون القيام بنفس الأمر هنا في تركيا. لأنهم لا يستطيعون تقديم أي مشروع أو فكر سياسي آخر. لأنهم بعثيو تركيا.

تحالف مجموعة دوغان الإعلامية وحزب الشعب الجمهوري والتنظيم الموازي

إن مجموعة دوغان الإعلامية تقوم – أكبر مجموعة إعلامية تركية معروفة بمعارضتها للحزب الحاكم- بالاستثمار بأعلى طاقتها في حزبي الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي. وكذلك فإن المجموعة الإعلامية التابعة لكولن تستثمر أقصى طاقاتها من أجل دعم حزبي الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي. كلا الحزبين يحملان في اللاوعي رغبة في الانتقام من الشعب الأناضولي. ثمة رغبة في المواجهة مع التغير الحاصل في تركيا والتسامح الذي يعرف به شعب الأناضول منذ القدم، والذي يرجح الاندماج بدل العنصرية.

لقد حاولوا ذلك من خلال استخدام الدمية المسماة “تنظيم الجماعة” التي فقدت صوابها، وذلك في أحداث غزي بارك والسابع عشر من ديسمبر. وهم الذين تتم إدارتهم من جديد في هذه الاتخابات من قبل نفس أوساط القوى ونفس العقلية. وإن لم ينجحوا فإن المشهد سيكون كالتالي، سوف يتم تحويلهم إلى أدوات وشخصيات صراع آخر قادم.

الظلم بدأ في 1453 أليس كذلك؟

لا تستطيع الكوادر التي لا تملك من المعرفة والخبرة والمهارة ما تستطيع أن تدير به تركيا سوى أن تكون مادة لسيناريوهات الصراع التي يحددها العقل المدبر والتي يقدمها على شكل مشروع يتلو الآخر.

إن الشيء المشترك بين هؤلاء وبين الذين يدعون بأن الظلم قد بدأ في الـ 1453 –تاريخ فتح القسطنطينية- هو أن كلا الطرفين لن يرحمهما الشعب أبداً. حتى إن تعاونهم مع من حاول قتل رئيس الوزراء هو بحد ذاته أمر لا يغتفر.

عن الكاتب

إبراهيم قاراغول

كاتب تركي - رئيس تحرير صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس