مصطفى واجد آغا أوغلو - خاص ترك برس

ولاية الموصل أُولى الأراضي في الشرق التي دخلت تحت السيادة العثمانية في عهد السطان سليم الأول (ياووز) عام 1517 وكذلك أخر الأراضي في الشرق التي خرجت من أيدي العثمانيين وذلك في نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1918.

ونحن هنا بصدد قراءة ودراسة التاريخ والحوادث التي وقعت في جغرافيتنا قبل قرن من الزمن لكي نستطيع أن نحلل المشكلات الماضية وبالتالي نوفّر منظور سليم وواقعي لحل المشاكل الحالية والمستقبلية وليس إلاَّ، فقضية الموصل قد حُسمت سنة 1926.   

لقد بقت ولاية الموصل التي كانت تضم كركوك والسليمانية وحواليهما منذ عام 1517 تابعة للدولة العثمانية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى. فبعد بضع أيام من توقيع العثمانيون هدنة مندروس (مودروس)، قام الجيش الإنجليزي باحتلال ولاية الموصل في شهر نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1918 ما أُضطر العثمانيون من الإنسحاب منها وكانت هذه المناطق أخر ولاية ومدن في الشرق تخرج من النفوذ العثماني.

هذا وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، ولا سيما بعد توقيعها على هدنة مودروس أصبحت معظم أراضيها تحت إحتلال قوات الحلفاء، فمدن الأناضول وعاصمة الدولة إسطنبول وقَعتْ بالفعل في قبضة قوات الاحتلال.

وفي 19 من مايو/آيار 1919 إشتعلت أُولى شرارة المقاومة الوطنية (Milli Mücadele) أو كما تعرف بحرب التحرير (Kurtuluş Savaşı) بقيادة مصطفى كمال باشا (أتاتورك)، فأصبح هدف المقاومة تحرير كافة الأراضي التي تقع ضمن خريطة الميثاق الوطني الذي وقّع عليه فيما بعد بتاريخ 28 يناير/كانون الثاني 1920 من قبل أعضاء مجلس المبعوثان. وولاية الموصل كانت تقع أيضاً داخل حدود هذا الميثاق. فقد خطط مصطفى كمال باشا لتحرير ولاية الموصل من الاحتلال الإنجليزي وضمها مرةً أخرى في عملية خاصة سميت بعملية أوزدمير أو كما يسميها الآخرون عملية راواندوز سنة 1922.

شفيق بك وعملية أوزدمير    

رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على إحتلال ولاية الموصل من قبل الجيش البريطاني إلا أن أنصار المقاومة الوطنية (التركية) كانوا يسعون بشتى الطرق تحريرها وضمها إليهم. فقد قرر مصطفى كمال باشا وبعد إستشارته مع رئيس أركان الجيش فوزي باشا (فوزي جقماق) أن يشن عملية عسكرية في شمال العراق لإرجاع الموصل. فكُلّف العقيد علي شفيق بك بتاريخ 1 فبراير/شباط 1922 لقيادة هذه المهمة الخاصة. 

والجدير بالذكر أن علي شفيق بك هو عسكري عثماني من أصول قوقازية، ويرجع نسبه إلى أوزدمير باشا فاتح الحبشة في عهد السلطان سليمان القانوني. ولد شفيق بك بالقاهرة عام 1885، وتلقّى تعليمه في الأزهر. وشارك في الحرب العالمية الأولى في صفوف القوات العثمانية مقاوماً للإحتلال الإنجليزي في فلسطين وقبرص، وكذلك حارب ضد الإحتلال الفرنسي في سوريا وغازي عنتاب. واُنتخب نائباً لدورتين في البرلمان التركي بعد تأسيس الجمهورية وتوفي بتاريخ 17 مايو/آيار 1951 ودُفن في غازي عنتاب.

بعد تلقي شفيق بك أمراً من مصطفى كمال باشا بقيادة حملة عسكرية، تمهّد في بادئ الأمر مع ضباط أتراك آخرون ومن ثم أنضم إليهم جنود منشقون من الجيش الفرنسي من أصول تونسية وجزائرية؛ وبعد التحضيرات اللازمة وصلت فرقة عملية أوزدمير بقيادة شفيق بك إلى مناطق شمال العراق في شهر يونيو/حزيران 1922، حيث الهدف طرد الإنجليز خارج حدود الميثاق الوطني. 

وفور وصول القوة التركية شمال العراق؛ تواصل شفيق بك مع بعض العشائر الكردية ومع زعيم كردي يدعى الشيخ محمود البرزنجي (محمود الحفيد) للتعاون معاً لمحاربة الاحتلال الإنجليزي، حيث سبق وأن طلبت بعض العشائر الكردية مساعدة من مجلس الأمة التركي لطرد الإنجليز. هذا وقد شارك في العملية بعض الشخصيات التركمانية أيضاً، فللمثال وليس الحصر حسن أحمد عمر آغا (حفيد عمر آغا أول رئيس بلدية كركوك) كان من ضمن المقاومين للإنجليز في الجبهات.

وقد إستطاع شفيق بك من دحر الإنجليز في أكثر من مرةٍ وضم أجزاء من الموصل وكركوك والسليمانية تحت سيطرته بتاريخ 31 أغسطس/آب من العام نفسه. إلا أن الأمر لم يعد سهلاً لتحرير تلك المناطق بالكامل فرغم عزيمة القوة التركية ووقوف بعض العشائر والشخصيات بجانب الأتراك؛ استطاع الإنجليز إقناع بعض العشائر الكردية الأخرى أن يأخذهم بجانبه مقابل بعض الوعود التي لم تعطى لهم إلى يومنا هذا. وأما العشائر والعساكر الذين كانوا يساندون الأتراك بعمليتهم فقد قصفتهم طائرات إنجليزية وأوقعت بهم خسائر فادحة.

والمقاومة الوطنية في الأناضول كانت تعيش أصعب أيامها؛ حيث لم تتحرر مدنهم بالكامل بعدُ ولم تؤسس الجمهورية، بالإضافة إلى الأزمة المادية والبشرية الكبيرة. ففي ظل هذه الأوضاع استطاع الإنجليز إيصال المعونة العسكرية وكافة أنواع المساعدات اللازمة إلى المنطقة لإسعاف جنودها المهزومة أمام قوة شفيق بك، وفي المقابل وللأسباب المذكورة لم تستطع قوة أوزدمير من إستلام أي معونة من الأناضول. فأضطرت حكومة أنقرة على تبليغ شفيق بك بإيقاف العملية والإنسحاب من تلك المناطق، فرغم أن تنفيذ هذا الأمر كان صعباً  لشفيق بك وأنصاره إلا أنه لم يعد هناك خياراً آخر أمام القصف الإنجليزي العنيف. فانسحبت القوة إلى أراضي إيران في أبريل/نيسان 1923 ودخلت إلى تركيا عبر مدينة وان. وبهذا انتهت الحملة التي كان ينوي بها مصطفى كمال باشا إرجاع ولاية الموصل إلى تركيا ضمن حملات حرب الإستقلال أو حرب التحرير.

ورغم ذلك لم تفقد تركيا أملها في تلك السنوات؛ فكانت تؤمن بأن الموصل وكركوك والسليمانية وحواليهما ضمن حدودها، فطُرحت قضية الموصل في مؤتمر لوزان سنة 1923 وبعد فشل الأطراف من الوصول إلى حل نهائي، أُحيلت القضية إلى عصبة الأمم لتبقى هناك ثلاث سنوات ومن ثم حُسمت عائديتها للعراق في معاهدة أنقرة الموقعة بين تركيا من جهة وبريطانيا والمملكة العراقية من جهة أخرى بتاريخ 5 يونيو/حزيران 1926.

عن الكاتب

مصطفى واجد آغا أوغلو

طالب دكتوراه في مدينة بورصة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس