د. مصطفى الستيتي - خاص ترك برس

من يطلع على تاريخ اليمن في زمن السّلطان عبد الحميد الثاني (1876-1909م) يلاحظ حجم الإنجازات الكبيرة المتنوعة في شتى المجالات؛ سواء ما يتعلق بالمواصلات أو بالاتصالات التلغرافية أو البنية التحتية أو الجوانب الإدارية أو توفير مياه الشرب وغير ذلك. قبل فترة سألت أحد اليمينين إن كان يوجد في البلاد سكة حديد للقطار فأجابني بالنفي وقال إن الطبيعة الجغرافية لليمن لا تسمح بمد خط لسكّة الحديد، ففاجأته عندما قلت له إنّ السّلطان عبد الحميد الثاني قرر قبل أكثر من 100 عام إنجاز هذا المشروع لكن يد الخيانة امتدت إليه فأزاحته من الحكم وحُرم اليمنيون من هذا الإنجاز العظيم.

كشفت لنا وثيقة مؤرخة بتاريخ 24 حزيران/ يونيو سنة 1888م في أرشيف رئاسة الوزراء باسطنبول بأن السلطان وافق على تمديد خط التلغراف من مدينة جدة إلى مدينة الحديدة مع توفير المبالغ اللازمة لتنفيذ المشروع على أن يتم إرسال مبلغ 30 ألف ليرة بصورة عاجلة من أجل البدء في تنفيذ هذا المشروع[1].

وفي وثيقة أخرى مؤرخة بتاريخ 30 تموز/ يوليو سنة 1891م يتبين أنه تقرر تمديد خط التلغراف بين جزيرة كمران والحديدة لأن المسافة بين المنطقتين بعيدة جدا ولا توجد وسيلة اتصال بين المنطقتين إلا بالقوارب التجارية الصغيرة المملوكة للأهالي، وجزيرة كمران يوجد فيها مركز للحجر الصحي وتستقبل عددا كبيرا من الحجاج أثناء موسم الحج، ولذلك فهي في حاجة ملحة إلى خط تلغراف مباشر[2].

وقد بينت وثيقة أخرى أن الصدر الأعظم رفع تقريرا إلى السلطان عبد الحميد الثاني يؤكد فيه ضرورة مد خط للتلغراف إلى قضاء حجور لأهمية موقعه وبعده عن مركز الولاية، وكون الأهالي ينوون المساهمة بتوفير المبالغ اللازمة لإنشاء الخط على أن يتم جلب المواد اللازمة للتمديد من أوروبا[3].

وفي وثيقة مؤرخة بتاريخ 30 آب/ أغسطس سنة 1905م قدم المجلس المخصوص محضرا حول حاجة اليمن إلى إنشاء طرق جديدة لأن التنقلات صعبة جدا بين المدن اليمنية، وهذا من شأنه أن يؤثر على تنقلات القوات العثمانية ، ولذلك أصبح من الضروري تعبيد طريق صنعاء-الحديدة، وطريق صنعاء-عمران وطريق صنعاء-تعز، وهذه الطرق من أهم الطرق التي يستخدمها جميع أهالي اليمن. وطريق صنعاء –الحديدة التي يصل طولها 200 كلم قد بدأت فيها الأشغال بالفعل لكن لم تحدد بعد تكاليف إنشاء تلك الطرق. ويمكن أن يساعد الأهالي في  إنجاز هذه المشاريع كما تم التأكيد على سرعة التنفيذ[4].

وجاء في تبليغ كاتب سر السلطان أنه تم إصدار إرادة سنية بالموافقة على إنشاء مصنع للثلج في مدينة الحديدة في جمادى الأولى سنة 1323هـ /الموافق لـ23 آذار/ مارس سنة 1906م واستجلاب ماكينة تقطير وتكرير المياه، ذلك لأن الحاجة ملحة جدا لإنشاء هذا المصنع، وهناك تعليمات باستكمال إنجاز المشروع في أقرب وقت ممكن[5].

وبتاريخ 25 آب/ أغسطس سنة 1909م صدر قرار من مجلس الوكلاء بالموافقة على حفر آبار ارتوازية في ولاية اليمن عن طريق المقاول الموسيو لورانس مورتون الذي تم توقيع العقد معه لتنفيذ المشروع خلال سنتين، وعلى نظارة الأشغال العمومية تسوية المبالغ اللازمة لتنفيذ تلك المشاريع[6].

ومن المشاريع الكبرى التي كان مقررا إنجازها في اليمن قبل أكثر من 100 عام من الآن مشروع مد خط سكة الحديد، وهو مشروع ضخم وعظيم الفائدة لليمنيين. فقد تمت الموافقة على هذا المشروع الكبير وتم إصدار لائحة قانونية وجميع القرارات المتعلقة بإتمام المشروع[7]، إلا أن المؤامرات الداخلية والخارجية من أجل إزاحة السلطان عبد الحميد الثاني كانت قد استحكمت حلقاتها، وأزيح هذا السلطان الغيور على الأمة وتعطلت أكثر المشاريع ليس في اليمن فحسب بل في أكثر الولايات العثمانية. بل إن يد التخريب قد امتدت لتطال خط سكة حديد الحجاز الذي كان ينقل المسافرين والحجاج من دمشق إلى المدينة المنورة والذي أنجز بين سنتي 1900 و 1908م على مسافة تمتد لأكثر من 1300 كلم.

إن إنجاز ذلك المشروع العظيم وخروجه للنور مثل دليلا على أنه كان بالإمكان إتمام إنجاز هذا العمل لو بقي السلطان عبد الحميد الثاني في الحكم، فقد كانت لديه حماسة لا حدود لها لربط بلاد المسلمين بعضها ببعض، وإعادة اللحمة بينها دينيا وجغرافيا كذلك.


المراجع:

[1] الأرشيف العثماني، وثيقة رقم I. DH 85242

[2] الأرشيف العثماني، وثيقة رقم I. MM 5259

[3] الأرشيف العثماني، وثيقة رقم I. PT 1318 L/6، التاريخ: 14 فبراير 1901م.

[4] الأرشيف العثماني، وثيقة رقم Y. A. RES 132/55

[5] الأرشيف العثماني، وثيقة رقم I. HUS 1323 Ca./30

[6] الأرشيف العثماني، وثيقة رقم MV. 132/35

[7] الأرشيف العثماني، وثيقة رقم I. KNM 1327 Ş./23

عن الكاتب

د. مصطفى الستيتي

باحث متخصص في التاريخ العثماني.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس